٢٨٢ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلكم علي ما يمحو الله به الخطايا. ويرفع به الدرجات)). قالوا: بلي يا رسول الله! قال: ((إسباغ الوضوء
ــ
يسري بحبيبه- صلوات الله عليه- ويقربه شرح صدره وأخرج قلبه فطهره، علي ما رويناه في حديث المعراج وشرح الصدر «فاستخرج قلبي، وغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشى إيماناً وحكمة» الحديث.
قال الإمام فخر الدين الرازي: لا يبعد أن يكون حصول الدم الأسود الذي غسلوه من قلبه- صلوات الله عليه- علامة الميل والركون إلي الهوى، والتحجم عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة كون صاحبه مواظباً علي الطاعات، محترزاً عن السيئات. يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد.
فإن قلت: هل في تخصيص الصلاة بالنور، والصبر بالضياء فائدة؟ قلت: أجل؛ لأن الضياء فرط الإنارة، قال الله تعالي:{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً}. ولعمري! إن الصبر بنيت عليه أركان الإسلام، وبه أحكمت قواعد الإيمان؛ لأنه تعالي لما مدح عباده المخلصين بقوله تعالي:{وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً- إلي قوله- واجعلنا للمتقين إماما} (٢) عقبه بقوله: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} فوضع الصبر موضع تلك الأعمال الفاضلة والأخلاق المرضية؛ لأنه ملاكها، وعليه يدور قطبها.
((غب)): الصبر حبس النفس عما يقتضيه الهوى، وتختلف مواقعه، وربما يخالف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان في مصيبة فيقال: صبر لا غير، وضده الجزع، وإن كان في محاربة سمى شجاعة، وضدها الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمى صاحبه رحيب الصدر، وضده ضيق النفس، وإن كان في إمساك النفس من الفضولات سمي قناعة، وضدها الحرص والشره، وإن كان في إمساك كلام في الضمير يسمى كتماناً، وضده الإفشاء، وإن كان في بذل مال سمي صاحبه جواداً، وضده البخيل، وعلي هذا تقاس جميع الفضائل.
قوله:((والقرآن حجة)) ختم تلك الشعب به، وسلك به مسلكاً غير مسلكها دلالة علي كونه سلطاناً قاهراً، وحكماً فيصلاً، يفرق بين الحق والباطل، حجة الله في الخلق، به السعادة والشقاوة. وقوله:((كل الناس يغدو)) مجمل، والفاء في قوله:((فبائع)) تفصيلية، وفي قوله:((فمعتقها)) سببية، المعنى: كل الناس يسعى في الأمور، فمنهم من يبيعها من الله تعالي، فيعتقها من النار، أو يبيع * من الشيطان فيوبقها.