وبقي منها اثنان فألقمهما رجليه. ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((مالك يا أبا بكر؟)) قال: لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده، ثم انتفض عليه، وكان سبب موته. وأما يومه، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا: لا نؤدي زكاة. فقال: لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. فقلت:
ــ
وقوله:((فألقمهما)) أي جعل رجليه كاللقمة لها غاية للحرص على سدها.
((ثم انتقض عليه)) أي نكست الجراحة بعد أن اندملت لتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في أساس البلاغة، انتقضت القرحة نكست.
قوله:((في رجله)) بدل من أبي بكر، بدل البعض، وجيء بفي بياناً لشدة تمكن اللدغ فيها، كما في قول الشاعر:
يجرح في عراقيبها نصلي
قوله:((لو منعوني عقالا)) نه: أراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة، لأن على صاحبها التسليم وإنما يقع القبض بالرباط.
وقيل: أراد ما يساوي عقالا من حقوق الصدقة.
وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإبل، قيل: أخذ عقالا، وإذا أخذ أثمانها قيل: أخذ نقداً.
وقيل: أراد بالعقال صدقة العام، يقال: أخذ المصدق عقال هذا العام إذا أخذ منهم صدقته، وبعث فلان على عقال بني فلان إذا بعث على صدقاتهم، واختاره أبو عبيد، وقال: هو أشبه عندي بالمعنى.
وقال الخطابي: إنما يضرب المثل في هذا بالأقل لا بالأكثر، وليس بسائر في كلامهم أن العقال صدقة عام.
وفي أكثر الروايات:((لو منعوني عناقاً)) وفي أخرى: ((جدياً)).
قلت: قد جاء في الحديث ما يدل على القولين، فمن الأول: حديث عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ مع كل فريضة عقالاً، فإذا جاءت إلى المدينة باعها ثم تصدق بها. وحديث محمد بن سلمة أنه كان يعمل بالصدقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يأمر الرجل إذا جاء بفريضتين أن يأتي بعقالهما وقرانهما.