أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر؟! فقالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟)). فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنوعنني أن أصلي فيها ركعتين؟! فقالوا: اللهم نعم. قال أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، فركضه برجله قال:((اسكن ثبير! فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان))؛ قالوا: اللهم نعم. قال: الله أكبر! شهدوا ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثا رواه الترمذي، والنسائي، والدارقطني [٦٠٧٥].
ــ
والباء في ((بخير)) باء البدل يتعلق بيشتري، وليست مثلها في قولهم: اشتريت هذا بدرهم ولا في قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}.
فالمعنى: من يشتريها بثمن معلوم ثم يبدلها بخير منها.
و ((ماء البحر)) أي ما فيه ملوحة كماء البحر، والإضافة فيه للبيان، أي ما يشبه ماء البحر.
قوله:((اللهم نعم)) المطرزي: قد يؤتي [اللهم ما قبل إلا إذا كان المستثنى عزيزاً نادراً]، وكان قصدهم بذلك الاستظهار بمشيئة الله في إثبات كونه ووجوده إيماء إلى أنه بلغ من الندرة حد الشذوذ.
وقيل: كلمتي الجحد والتصديق في جواب المستفهم كقولهم: اللهم لا ونعم.
((الحضيض)) قرار الأرض وأسفل الجبل.
وقوله:((الله أكبر)) كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته، وذلك أنه لما أراد أن يظهر لهم أنه على الحق وأم خصماءه على الباطل على طريق يلجئهم إلى الإقرار بذلك. أورد حديث ثبير مكة وأنه من أحد الشهيدين مستفهماً عنهم، فأقروا بذلك وأكدوا إقرارهم بقولهم:((اللهم)) فقال: ((الله أكبر)) تعجباً وتعجيباً وتجهيلاً لهم، واستهجاناً لفعلهم، ونظيره قوله تعالى:{هل يستويان مثلا، الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} كأنه لما ضرب مثل عابد الأصنام وعابد الله برجلين أحدهما له شركاء بينهم اختلاف وتنازع كل واحد منهم يدعى أنه عبده فهم يتجاذبونه