للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦١٥٣ - وعن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) رواه الترمذي. [٦١٥٣].

ــ

الحديث الثاني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه:

قوله: ((ما إن تمسكتم به)) ما موصولة، والجملة الشرطية صلتها، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه، قال الله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض}. واستمسك بالشيء إذا تحرى الإمساك به، ولهذا لما ذكر التمسك عقبه بالمتمسك به صريحاً وهو الحبل في قوله: ((كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض)) وفيه تلويح إلى قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} كأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم مشتغلون بشهواتها، وأن الله يريد بلطفه رفعهم فيدلي حبل القرآن إليهم ليخلصهم من تلك الورطة، فمن تمسك به نجا، ومن أخلد إلى الأرض هلك.

ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه، وهو الائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه.

والتمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديتهم وسيرتهم.

وفي قوله: ((إني تارك فيكم)) إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما وإيثار حقهما، كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده، ويعضده الحديث السابق في الفصل الأول: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) كما يقول الأب المشفق: ((الله الله في حق أولادي)).

ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر أن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه.

ولعل السر في هذه التوصية، واقتران العترة بالقرآن، أن إيجاب محبتهم لا تخلو من معنى قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه صلوات الله عليه يوصي الأمة بقيام الشكر وقيد تلك النعمة به، ويحذرهم عن الكفران، فمن أقام بالوصية وشكر تلك الصنيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>