ــ
التنزيل بمعنى الإصابة، إما في الرحمة كقوله (تعالى): (ولئن أذقنا الإنسان منا
رحمة) وإما في العذاب نحو قوله (تعالى): (ليذوقوا العذاب) وقال غيره: الذوق
ضرب مثلا لما ينالون عنده، أي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخير. قال أبو بكر الأنباري: أراد لا يتفرقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يحفظ أرواحهم،
كما يحفظ الطعام أجسامهم.
وأقول: مجاز قوله: ذاق طعم الإيمان) كمجاز قوله: (وجد حلاوة الإيمان) وكذلك موقعه
كموقعه على ما مر، لأن من أحب أحداً يتحرى مراضيه، ويؤثر رضاه على رضاء نفسه، ومقام
الرضى عند أهل العرفان مقام جليل رفيع، روى الشيخ محيي الدين عن صاحب التحرير معنى
(رضيت بالشئ) اقتنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره فمعنى الحديث لم يطلب غير
الله (تعالى) ولم يشرع في طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا
شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه. قال
القاضي عياض: معنى الحديث صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه؛ لأن رضاه دليل
لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشة قلبه؛ لأن من رضي أمرا سهل عليه فكذا
المؤمن إذا دخل قلبة الإيمان سهل عليه طاعة الله (تعالى) ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولذت له.
قوله: (وبالإسلام ديناً) لا يخلو الإسلام أن يراد به الانقياد كما في حديث جبريل (عليه
السلام) أو مجموع ما يعبر الدين عنه كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بني الإسلام على خمس) ويؤيد
الثاني معنى اقترانه بالدين؛ لأن الدين جامع بالاتفاق، ونحوه قوله تعالى: (ومن يتبع غير
الإسلام ديناً فلن يقبل منه). وعلى التقديرين هو عطف على قوله (بالله رباّ) عطف العام على
الخاص على منوال قوله: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وكذا قوله:
(بمحمد رسولا) على (بالإسلام) عطف الخاص على العام على نهج قوله (تعالى): (وملائكته
ورسله وجبريل).
(مح): واعلم أن مذهب أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً
على كل حال، فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير، والمجنون الذي يتصل جنونه بالبلوغ،
والتائب توبة صحيحة من الشرك وغيره من المعاصي إذا لم يجد معصية بعد توبة، والموفق الذي
ماألم بمعصية قط_ فكل هذا الصنف يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها
ــ