١٠ - وعن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفس محمد بيده لا
يسمعُ بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ
به؛ إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم.
ــ
على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط، وهو منصوب
على ظهر جهنم_ عافانا الله منها ومن سائر المكاره.
وأما من كانت له معصية (كبيرة)، ومات من غير توبة، فهو في مشيئة الله تعالى إن
شاء عفا عنه، وأدخل الجنة أولا، وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده
(سبحانه) ثم يدخل الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصي
ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر، ولو عمل من أعمال لبر ما عمل. هذا
هو المذهب الحق الذي تظاهرت أدلة الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به عليه، وتواترت
بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، وإذا ورد ظاهرة مخالفة لهذا وجب تأويله؛
ليجمع بين نصوص الشرع.
الحديث الثامن عن أبي هريرة (رضي الله عنه): قوله (والذي نفس محمد بيده) يريد
- صلى الله عليه وسلم - بالنفس ذاته وجملته، ويعني بيده قدرة الله وتصرفه فيه. يشير إلى أن إرادته وتصرفه
مغموران في إدارة الله وتصرفه، وهو في علم البيان من أسلوب التجريد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جرد من
نفسه الزكية (صلوات الله تعالى) من يسمى محمداً، وهو هو، وأصل الكلام: (والذي نفسي
محمد نفسي)، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم في قوله: (لا يسمع بي) تنزيلا من مقام
الجمع إلى مقام التفرقة والاشتعال بدعوة الخلق، ومن مخدع الكمال إلى منصة التكمل.
قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي (قدس الله ووجه): (قيل: الجمع اتصال
لا يشاهد صاحبه إلا الحق، فمتى شاهد غيره فما جمع، والتفرقة شهود من شهد
بالمبانية، فقوله آمنا بالله جمع، وما أنزل إلينا تفرقة. قال الجنيد: القرب بالواحد جمع،
وغيبته في البشرية تفرقة، وكل جمع بلا تفرقة زندقة بلا جمع تعطيل. ويقال:
فلان سمع بفلان إذا بلغ إليه خبره. والباء يحتمل أن تكون رائدة، أي لا يسمعني، فقد جاء:
ــ