للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

أقول: لعل الظاهر أن يكون الضمير مبهماً يفسره ما بعده، كما في قوله تعالي: {ما هي إلا حياتنا الدنيا}. قال صاحب الكشاف: هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة؛ لأن الخبر يدل عليها ويبينها. ومنه: هي النفس تتحمل ما حملت. والرواية بتثنية الضمير في ((عنهما)) لا تستدعي إلا هذا التأويل.

((مح)): ((بنصفين)) حال، والباء زائدة للتأكيد. وأما وضعه صلى الله عليه وسلم الجريدتين علي القبر فقال العلماء: هو محمول علي أنه صلى الله عليه وسلم سأل الشفاعة لهما فأجيب بالتخفيف عنهما إلي أن ييبسا. وقد ذكر مسلم في آخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر: ((أن صاحبي القبرين أجيبت شفاعتي [فيهما])) أي برفع] ذلك عنهما ما دام القضيبان رطبين. وقيل: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لهما تلك المدة. وقيل: لكونهما يسبحان ما داما رطبين، وليس لليابس تسبيح، كذا مذهب كثيرين أو الأكثرين من المفسرين في قوله تعالي: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} قالوا: معناه وإن من شيء حي. ثم قالوا: معناه: وإن من شيء حي. ثم قالوا: حياة كل شيء بحسبه، فحياة الخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلي أنه علي عمومه، ثم اختلفوا هل يسبح حقيقة أم في دلالة علي الصانع، فيكون مسبحاً منزهاً بصورة حالية؟ والمحققون علي أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله تعالي عنه في قوله: {وإن منها لما يهبط من خشية الله}. وإذا كان العقل لا يحيل التمييز فيها، وجاء النص به وجب المصير إليه.

واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث؛ لأنه إذا كان يرجى التخفيف لتسبيح الجريد فبتلاوة القرآن أولي، وقد ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب الصحابي رضي الله عنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان. ففيه أنه رضي الله عنه تبرك بفعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر الخطابي ما يفعله الناس علي القبور من الأخواص ونحوها متعلقين بهذا الحديث، وقال: لا أصل له، ولا وجه له.

وأما فقه الباب ففيه إثبات عذاب القبر، وهو مذهب أهل الحق، وفيه نجاسة الأبوال. وفي الرواية الثانية: ((لا يستنزه من البول)) وهو غلط. وفيه تحريم النميمة؛ لأن المشي بالنميمة والسعي بالفساد من أقبح القبائح، لاسيما مع قوله صلى الله عليه وسلم ((كان يمشي)) بلفظ ((كان)) لتي للحالة المستمرة غالباً. وفيه أيضاً أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة بلا شك. أقول: وممكن أن يقال: إن معرفة الحكمة من كونها ما داما رطبين يمنعان العذاب كمعرفة عدد الزبإنية في أنه تعالي هو المختص بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>