٣٣٨ - وعن ابن عباس، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال:((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستتر من البول- وفي رواية لمسلم: لا يستنزه من البول-؛ وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها بنصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة. قالوا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ فقال:((لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)). متفق عليه.
ــ
الحديث الرابع عن ابن عباس: قوله: ((وما يعذبان في كبير)) ((حس)): معناه أنهما لا يعذبان في أمر يشق ويكبر عليهما الاحتراز عنه، فإنه لم يشق عليهما الاستتار عند البول، وترك النميمة، ولم يرد أن الأمر فيهما هين غير كبير في أمر الدين. ((نه)): وكيف لا يكون كبيرة وهما يعذبان فيه؟
قوله:((لا يستتر)) روى في شرح السنة هذا الحديث في باب الاستتار عند قضاء الحاجة وقال: قال عبد الواحد الأعمش: ((كان لا [يستتر] من البول))، وفي رواية أخرى: [((وكان لا يستنتر))] وروى بعضهم: ((لم يكن يستنزه))، والاستنتار من البول كالاجتذاب مرة بعد أخرى، يعني الاستبراء، والنتر الجذب بالعنف. ((شف)): في الغريبين وفي الفائق والنهاية: يستنثر من البول بنون بين التائين من الاستنتار، ورووا هذا الحديث في باب النون مع التاء، وفي الغريبين: الاستنتار كالاجتذاب مرة بعد أخرى، يعني الاستبراء. قال الليث: النتر جذب فيه جفوة، هذا هو الذي يساعد عليه المعنى لا الاستتار، وعليه كلام الشيخ محيي الدين كما سيجيء [إيفاء].
((فا)): الجريدة السعفة التي جردت عنها الخوص أي قشرته، وكل شيء قشرته عن شيء فقد جردته. وقوله:((لعله أن يخفف)) شبه لعل بعسى، وأتى بأن في خبره، قال المالكي: الرواية يخفف عنها علي التوحيد والتإنيث وهو ضمير النفس، فيجوز إعادة الضميرين في ((لعله)) و ((عنها)) إلي الميت باعتبار كونه إنساناً وكونه نفساً. ويجوز كون الهاء في ((لعله)) ضمير الشأن، وفي ((عنها)) للنفس، وجاز تفسير الشأن بأن وصلتها، مع أنها في تقدير مصدر؛ لأنها في حكم جملة لاشتمالها علي مسند ومسند إليه، ولذلك سدت مسد مطلوبي حسب وعسى، في نحو:{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} وفي: {وعسى أن تكرهوا شيئاً}. ويجوز في قول الأخفش أن تكون ((أن)) زائدة مع كونها ناصبة كزيادة البار ومن، مع كونهما جارتين. ومن تفسير ضمير الشأن وصلتها: قول عمر- رضي الله عنه- ((فما هو إلا أن سمعت أن أبا بكر تلاها فعقرت وحتى ما تقلني رجلاي)).