للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٢ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت علي خيشومه)). متفق عليه.

٣٩٣ - وقيل لعبد الله بن زيد: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بوضوء فأفرغ علي يديه فغسل يديه مرتين مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه مرتين مرتين إلي المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلي قفاه، ثم ردهما حتى يرجع إلي المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. رواه مالك، والنسائي. ولأبي داود نحوه ذكره صاحب ((الجامع)).

ــ

((تو)) هذا في حق ما بات مستنجياً بالأحجار معرورياً ومن باب وحاله علي خلاف ذلك ففي أمره سعة، ويستحب له أيضاً أن يغسلها، لأن السنة إذا وردت لمعنى، لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى ((حس)): علق النبي صلى الله عليه وسلم غسل اليدين بالأمر الموهوم، وما علق بالموهوم لا يكون واجباً، فأصل الماء واليدين علي الطهارة، فحمل الأكثرون هذا الحديث علي الاحتياط، وذهب الحسن البصري وأحمد في إحدى الروايتين إلي الظاهر، وأوجبا الغسل، وحكماً بنجاسة الماء.

الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((فليستنثر)) استنثر حرك النثرة، وهي طرف الأنف، ويجوز أن يكون بمعنى نثرت الشيء إذا بددته.

((تو)) و ((قض)): ((الخيشوم)) أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ، الذي هو موضع الحس المشترك، ومستقر الخيال، فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط، ويبس عليه المخاط، ويكل الحس، ويتشوش الفكر، فيرى أضغاث أحلام، فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال، واستعصى عليه النظر الصحيح، وعسر الخضوع والقيام علي حقوق الصلاة وأدائها. ثم قال التوربشتي: ما ذكر هو من طريق الاحتمال، وحق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن الأسرار الربوبية، ومعادن الحكم الإلهية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأخواته بشيء؛ فإن الله تعالي خص رسوله صلوات الله عليه بغرائب المعإني، وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باع الفهم، ويكل عن إدراكه بصر العقل. وقيل: المشاعر الخمسة كل منها آلة العلم، وطريق معرفة الله سوى الخيشوم، فلذلك كان مقرب الشيطان، وموضع دخوله فيه.

أقول: لعل خلافه أولي، لأن أنسب المشاعر بعالم الأرواح حس الشم، ولذلك حبب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيب وحرم عليه تناول ما يخالفه، وقال أبو الطيب:

مسكية النفحات إلا أنها وحشية بسواهم لا تعبق

ولأن الشيطان اللص إنما يهم بقطع الطريق الموصل، وسد مسالك روح الله إلي قلب العبد، وأنشد شيخنا شيخ الإسلام في العوارف للعامري

<<  <  ج: ص:  >  >>