للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ــ

التنزيه والبراءة، والدليل عليه قراءة من قرأ (حاشا لله) بالتنوين، وإنما ترك على بنائه ولم

يعرب مراعاة للأصل الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: جلست عن يمينه، كيف تركوه

غير معرب على أصله؟ فإن قلت: كيف عطف (ولا نصراني) على (يهودي) وهو مثبت؟

والكلام الفصيح في العطف بلا: أن تكرار لفظه لا: كقوله (تعالى): (فلا صدق ولا

صلى). قلت (يهودي) في حيز النفي؛ لكونه فاعلا للفعل المنفي، كقوله: (ماأدري ما

يفعل بي ولا بكم).

قال الشارحون: الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك، فأنه مجمل

يطلق تارة ويراد بها كل من هو مبعوثا إليهم، آمن به أو لم يؤمن، ويسمون أمة الدعوة،

وتطلق أخرى ويراد بها المؤمنون به المذعنون له، وهم أمة الإجابة، وهي ههنا بمعنى الأول؛

بدليل قوله: (ولم يؤمن بي) واللام فيها للاستغراق أو الجنس أو العهد، والمراد بها أهل

الكتاب، ويعضد الأخير توصف الأحد باليهودي والنصراني. وفي تخصيص ذكر اليهودي

والنصراني وأنهما من أهل الكتاب_ إشعار بأن حال العطلة وعبدة الأوثان وأضرابهم أكد، وهم

أولى بالصلى.

وتلخيص المعنى أن كل واحد من هذه الأمة إذا يسمع بي ويتبين له معجزتي ثم لا يؤمن

برسالتي، ولم يصدق في مقالتي _ كان من أصحاب النار، سواء الموجود ومن سيوجد.

(شف): لفظ ثم موضوع للتراخي، دال على أن الإيمان بما أرسل به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مهما صدر

من الكافر وحصل منه فإنه ينفعه، ويمحي عنه ما سلف في كفره، وإن تراخي ذلك الإيمان عن

أول سماعه لمبعثه، وتقدير الاستثناء: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ثم لم يؤمن بالذي

أرسلت (به) فيكون له حال من الأحوال إلا أن كان من أصحاب النار.

أقول: والوجه أن يقال: إن (ثم) هذه للاستبعاد، كما (في) قوله (تعالى): (ومن

أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) يعني ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله

الظاهرة والباطنة، ودلائله القاهرة، فعرفها ثم أنكرها، أي بعيد ذلك عن العاقل، كما تقول:

وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها! فالمعنى ما أبعد لذي العقل أن يسمع بي يهودي

ونصراني بعد انتظارهما بعثتي، واستفتاحهما الكفرة بنصرتي؛ ثم لما بعثت لم يؤمن بي، فعلى

هذا التقدير يختص الحديث بأهل الكتاب؛ ولا يحتاج إلى التكليف في نسبتهم إلى غيرهم،

كما عليه كلام الشارحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>