ــ
قوله: (فأدبها) الأدب حسن الأحوال في القيام والقعود، وحسن الأخلاق، واجتماع الخصال
الحميدة: (فأحسن تأديبها) أي أدبها من غير عنف وضرب، بل باللطف والتأني، (وعلمها) أي
وعلمها من أحكام الشريعة ما يجب عليها، (فأحسن تعليمها) أي علمها بالرفق وحسن الخلق.
فإن قلت: فيه إشكال، وهو أنه ينبغي أن يكون له أربعة أجور: أحدهما بتأديبها، والثاني
بتعليمها، والثالث بإعتاقها، والرابع بتزوجها، فلم قال (فله أجران)؟ ولم يقل: له أربعة أجور؟
(مظ): قلنا: المراد بحصول الأجرين له ههنا بالإعتاق والتزوج؛ لأن التأديب والتعليم موجبان
للأجر في الأجنبي والأولاد وجمع الناس. فلم يكن مختصاً بالإماء. أقول: موجب الأجرين
إعتاقها وتزوجها فحسب، والتأديب والتعليم موجبان لاستنهالها الإعتاق والتزوج؛ لأن تزوج
المرأة المؤدبة المعلمة أكثر بركة، وأقرب إلى تعين زوجها على دينه، والشاهد لفظه (ثم)؛
لكونها تفيد أن الإعتاق والتزوج أفضل وأعلى رتبة من التأديب والتعليم؛ لأنهما من التأديب
والتعليم. والأولى أن يقال: إن التأديب بالعنف لا يوجب الأجر، كما أن الوطء بدون العتق
لا يثبت الأجر لحصوله قبل ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كانت عنده أمة يطؤها) كأنه قيل: يؤدبها
تأديباً حسنا، ويطؤها وطأ جميلا. وأما الفاء في (فأحسن) فللترتيب أيضاً، لكنها دون (ثم)
كما في قولك: الأمثل فالأمثل، والأفضل فالأفضل، يعني التأديب والتعليم بالرفق أحسن
وأفضل منه بالعنف.
ووجه اقتران هذا الحديث السابق وجه ثواب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقابهن في المضاعفة،
كقوله (تعالى): (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) إلى آخره، فينبغي أن ينزل
الحديث الأول على أنهم أولى الناس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بمعرفتهم به؛ لأنه مكتوب عندهم في التوراة
والإنجيل، فإذا كفروا به استوجبوا من العذاب ضعف عذاب الناس، والعكس إذا آمنوا، فدل على
هذا المعنى بالحديث، وعلى استحقاق ضعف العذاب قوله: (إلا كان من أصحاب النار)؛ لأنه
في قوة أنه من الجهنميين، فهو من أسلوب قوله: فلان من العلماء، أي له مساهمة معهم
في العلم، وأن الوصف كاللقب المشهور له.
قوله (فله أجران) هذا تكرير لطول الكلام اهتماماً بشأن الأمة وتزوجها مثله قول الحماسى:
وإن امرأ دامت مواثيق عهده ... على مثل هذا إنه لكريم
ــ