وإِن رأيت اختلافُا فى نفس الحديث؛ فذلك من تشُّبِ طرق الأحاديث، ولعلى ما اطلعتُ على تلك الرواية التي سلكها الشيخُ رضى الله عنه. وقليلاً ما تجد أقول:
ماوجدتُ هذه الرواية في كتب الأصول، أو وجدتُ خلافها. فإذا وقفت عليه فانسُبِ القصورَ إلىَّ لقلة الدراية، لا إلى جناب الشيخ رفع الله قدره في الدارين، حاشاَ الله منْ ذلك، رَحِمَ الله من إذا وقف على ذلك نبهنا عليه، وأرشدنا طريق الصواب. ولم آلُ جهداً في التنقير (١) والتفتيشِِِ بقدر الوسع والطاقة، ونقلتُ ذلك الاختلافَ كما وجدتُ.
وما أشار إليه- رضي الله عنه- من غريب أو ضعيف أو غيرهما؛ بينت وجهَهُ غالباً. وما لم يشير إليه مما في الأصول؛ فقد قِّفََّيتُه في تزكّه، إلا في مواضع لغرض.
وربما تجدُ مواضعَ مُهملةَ، وذلك حيثُ لم أطلع على راويه فتركَتُ البياض. فإن عثرتَ عليه فألحقهُ به، أحسن الله جزاءك. وسميت الكتاب ب (مشكاة المصابيح)، وأسال الله التوفيق والإعانة والهداية والصيانة، وتيسير ما أقصده، وأن ينفعني في الحياة وبعد الممات، وجميع المسلمين والمسلمات حسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلابالله العزيز الحكيم.
ــ
أتممناه غالبا. (وإن عثرت) أي اطلعت. (ولم آل جهداً) أى ولم أقصر من: ألا يألو: قصَّر، لا يألوك نصحاَ فهو آل. وحكى الكسائى عن العرب: أقبل يضربه لا يأل، يريد لا يألو فحذف، والجهد (بالضم والفتح) الطاقة والمشقة. والتنقير عن الأمر: البحث عنه.
قوله:(مما في الأصول) يعنى جامع الترمذى، وسنن أبى داود، والبيهقى، وهو كثير،
فتبعه وتركته تأسياَ به.
قوله:(لغرض) وذلك أن بعض الطاعنين أفرزوا أحادث من المصابيح، ونسبوها إلى الوضع، ووجدت الترمذي صححها أو حسنها وغير الترمذي أيضا، فبينته لرفع التهم، كحديث أبي هريرة):المرء على دين خليله) فإنهم صرحوا بأنه موضوع، وقال الترمذى في الجامعة: أنه حسن، والنواوى في الرياض: إنه صحيح الإسناد. ومن الغرض الذي شرط الشيخ في خطبته أنه أعرض عن ذكر المنكر، وقد أتى منه في كتابه كثيرا منه، وبين في بعضها كونه منكراً وترك البعض، فبينت أنه منكر.
قوله:(بمشكاة المصابيح) روعى المناسبة بين الاسم مقتبساً من كلام الله المجيد، وذلك أن المشكاة إنما قصد بها ليجتمع ضوء المصباح، فيكون أشد تقوياً، بخلاف المكان الواسع؛ فإن الضوء ينبت فيه وينتشر، و (كذلك) الأحاديث إذا كانت غفلا عن سمة الرواة انتشرت، وإذا قيدت بالراوى انضبطت واستقرت في أمكنتها.