للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ــ

الصلاة)) وظاهر الحديث نظير قوله تعالي: {ومن بيننا وبينك حجاب} وقوله: {وجعل بين البحرين حاجزا} فإذا ذهب إلي هذا المعنى يوجب خلاف المقصود؛ ولذلك قيل فيه وجوه:

أحدها: أن ترك الصلاة معبر عن فعل ضده؛ لأن فعل الصلاة هو الحاجز بين الإيمان والكفر، فإذا ارتفع ارتفع المانع، وعليه كلام التوربشتي حيث قال: إن العبد إذا ترك الصلاة لم يبق بينه وبين الكفر فاصلة فعليه [يؤيس] منه، لأن إقامة الصلاة هي الخصلة المفارقة بين الفئتين والحكم الحاجز بين الأمرين، ولما لم يكن بين المنزلتين منزلة أخرى، والتهاون بحفظ حد الشرع كاد يفضي بصاحبه إلي حد الكفر، عبر عنه بارتفاع البينونة.

وثإنيها: قول القاضي: يحتمل أن يؤول ترك الصلاة بالحد الواقع بينهما، فمن تركها دخل الحد، وحام حول الكفر ودنا منه. وثالثها: قوله أيضاً متعلق الظرف محذوف تقديره ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر، والمعنى يوصله إليه.

وأقول: أمتن الوجوه وأقواها الثاني، ثم الوجوه الثلاثة من باب التغليظ أي المؤمن لا يتركها، نحو قوله تعالي: {ولله علي الناس حج البيت ن استطاع إليه سبيلا ومن كفر} ويمكن أن يقال: إن الكلام مصبوب علي غي مقتضى الظاهر؛ لأن الظاهر أن يقال: بين الإيمان والكفر ترك الصلاة، أو بين المؤمن والكافر تركها، فوضع موضع المؤمن العبد، وموضع الكافر الكفر، فجعله نفس الكفر مبالغة، وإشعاراً بأن حقيقة العبودة أن يخضع لمعبوده، ويشكر نعمه الظاهرة والباطنة، وحقيقة من اتصف بالكفر أن يستنكف عن عبوديته، ويستر حق نعمته وعظمته. وأظهر الشكر وأكمله، وقوامه وعموده أداء الصلاة وإقامتها، كأنه قيل: الفرق بين المؤمن والكافر ترك أداء شكر النعم الحقيقي، فمن أقامها فهو مؤمن، ومن تركها فهو كافر، فعلي هذا المعنى الكفر بمعنى كفران النعمة.

((غب)): العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها غلا من له غاية الإفضال، وهو الله سبحانه وتعالي. ((حس)): اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة المفروضة عمداً، فذهب جماعة إلي تكفيره، قال عمر: ((لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة)) وقال ابن مسعود: ((تركها كفر) وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. وذهب الآخرون: إلي أنه لا يكفر، وحملوا الحديث علي من تركه جاحداً، أو علي الزجر والوعيد. وقال حماد بن زيد، ومكحول، والشافعي: تارك الصلاة يقتل كالمرتد، ولا يخرج عن الدين، وقال أصحاب الرأي: لا يقتل بل يحبس ويضرب حتى يصلي، وبه قال الزهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>