وفي رواية لمسلم:((فإن أحدكم إذا كان يعتمد إلي الصلاة فهو في صلاة)).
وهذا الباب خال عن الفصل الثاني
ــ
الفاعل، وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا؛ لتصوير حال سوء الأدب، وأنه مناف لما هو أولي به من الوقار والسكينة، ومن ثم عقبه بما ينبه علي حسن الأدب من قوله:((وأتوها تمشون)) كقوله تعالي: {وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً} ثم ذيل المفهومين بقوله: ((وعليكم السكينة)) أي الزموا السكينة في جميع أموركم، خصوصاً في الوفود إلي جناب رب العزة، والفاء جزاء شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولي بكم فما أدركتم فصلوا.
فإن قلت: كيف الجمع بين النهي عن السعي في الحديث والأمر به في قوله تعالي: {فاسعوا إلي ذكر الله}؟ قلت: السعي في الآية بمعنى القصد والنية، ويستعمل السعي في التصرف في كل عمل، قال الله تعالي:{فلما بلغ معه السعي}، {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} يدل عليه بقوله: {وذروا البيع} أي اشتغلوا بأمر معادكم وما والاه من ذكر الله، واتركوا أمر معاشكم من البيع والشراء، كقوله تعالي:{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}. قال الحسن (رحمه الله): ليس السعي علي الأقدام، ولكنه علي النيات والقلوب.
((حس)): اختلفوا فيمن يخاف فوت التكبيرة الأولي فمنهم من قال: يسرع، حتى قيل: يهرول، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع إلي المسجد. ومنهم من كره الإسراع، واختار المشي بالوقار لهذا الحديث، وقال: فيه دليل علي أن ما يدركه المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته؛ لأن لفظ الإتمام يقع علي باقي شيء تقدم أوله، وهو مذهب علي، وأبي الدرداء رضي الله عنهما وجمع من التابعين، وبه قال الشافعي.
قوله:((يعتمد إلي الصلاة فهو في صلاة)) ((مح)): يستحب للذاهب إلي الصلاة أن لا يعبث بيده، ولا يتكلم بقبح، ولا ينظر نظراً قبيحاً، ويتجنب ما أمكنه مما يتجنبه المصلي، وإذا وصل إلي المسجد وقعد ينتظر الصلاة، كان الاعتناء بما ذكرناه آكد، وفي رواية:((وعليه السكينة والوقار)) قيل هما بمعنى، وجمع بينهما تأكيداً، والظاهر أن بينهما فرقاً، وأن السكينة التإني في الحركات، واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر، وخفض الصوت والإقبال علي طريقه بغير التفات، ونحو ذلك.