٦٩٤ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري علي حوضي)) متفق عليه.
ــ
النهي عن المسافرة إلي غيرها من المساجد، وهو أبلغ مما لو قيل: لا تسافر؛ لأنه صور حالة المسافرة وتهيئة أسبابها وعدتها من المراكب والأدوات والتزود وفعل الشد، ثم أخرج النهي مخرج الإخبار، أي لا ينبغي ولا يستقيم أن يقصد بالزيارة وبالرحلة إلا هذه البقاع الشريفة؛ لاختصاصها بالمزايا والفضائل؛ لأن إحداها بيت الله، وحج الناس وقبلتهم، رفع قواعدها الخليل (عليه السلام)، والثانية قبلة الأمم السالفة، عمرها سليمان (عليه السلام)، والثالثة أسست علي التقوى، وأشادها خير البرية، فكان المسافرة إليها وفادة إلي بإنيها.
((حس)): لو نذر أن يصلي في مسجد من هذه المساجد الثلاثة يلزمه أن يأتيه فيصلي فيه، فإن صلي في غيرها من المساجد لا يخرج عن نذره، ولو نذر أن يصلي في مسجد سواها لا يتعين، وعليه أن يصلي حيث شاء. ((شف)): لو نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد الحرام يتعين هو ولو عين مسجد المدينة للصلاة أو للاعتكاف تعين أحد هذين المسجدين، ولا يقوم غيرهما مقامهما، ولو نذر أن يصلي في مسجد سوى هذه الثلاثة ولو عين المسجد الأقصى للصلاة أو الاعتكاف تعين أحد هذه المساجد الثلاثة، ول يقوم غيرها مقامها. ولو نذر أن يصلي في مسجد سوى هذه المساجد الثلاثة لا يتعين، وعليه أن يصلي حيث شاء.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما بين بيتي ومنبري)) ((حس)): قيل: معنى الحديث أن الصلاة في ذلك الموضع والذكر فيه يؤدي إلي روضة من رياض الجنة، ومن لزم العبادة عن المنبر يسقى يوم القيامة من لحوض، وهذا كما قال:((عائد المريض علي مخارف الجنة)) يعني عيادة المريض تؤديه إليها، وكما جاء في الحديث:((الجنة تحت ظلال السيوف)) يريد أن الجهاد يؤديه إلي الجنة.
((تو)): إنما سمي تلك البقعة المباركة روضة لأن زوار قبره وعمار مسجده من الملائكة والجن والإنس لم يزالوا مكبين فيها علي ذكر الله وعبادته، إذا صدر منها فريق وردها آخرون، كما جاء:((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قيل: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال:((حلق الذكر)) وقال: ((منبري علي حوضي)) أي علي حافته وعقره، فمن شهده مستمعاً إلي أو متبركاً بذلك الأثر شهد الحوض. ونبه صلى الله عليه وسلم علي أن المنبر مورد القلوب الصادية في بيداء الجهالة، كما أن الحوض مورد الأكباد الظامئة في حر القيامة، وهما متلازمان، لا مطمع لأحد في الآخر دون الشفاعة بالأول. هذا، ونحن لا نقطع بالقول في المناسبة بشيء، بل نذهب فيها إلي الاستنباط والتأويل، ونعتقد أن المراد منه ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحق وإن لم تهتد إليه أفهامنا وعقولنا.