للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا قال: ((إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: ((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)). قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)). رواه مسلم.

ــ

وعلي هذا قياس سائر الأذكار فيها، وتخصيص الفاتحة لتقديمها ولشرفها، ولينبه بها لاشتمالها علي معإني الكتب السماوية، علي أن مرجع الكل إلي الدعوة إلي تينك الخلتين، أعني العبادة والثناء وإظهار الافتقار، ونفي الحول والقوة إلا به، وبهذا ظهر سر قوله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء مخ العبادة)) ولا بعد أن يتشبث بهذا علي الوجوب، وتحريره أن قوله: ((فهي خداج)) يحتمل معنيين: نفي الكمال كما سبق، ونفي الحقيقة من نفي الجزء الذي تنتفي الكل بانتفائه، فرجحنا الثاني بهذا الاعتبار، وذلك أن الصلاة عبارة عن حركات مخصوصة، وأذكار مخصوصة، فكما تنتقي بإخلال معظم أذكارها، نحو ركوع واحد وسجدة واحدة، كذلك ينبغي أن تنتفي بإخلال معظم حركاتها، وقد تقرر في علم البيان أن إطلاق الجزء علي الكل مشروط بكون ذلك الجزء أعظم، كما مثل شارح الصحيح بقوله: ((الحج عرفة)). وعليه قوله تعالي: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} يعني صلاته. والذي يشد من عضد هذا التقرير توكيد الخداج بالتكرير وتتميمه بالتفسير، ولأن هذا المنهج أحوط وإلي التحقيق أقرب.

وأما الثاني فعليه ما ذكره الخطابي: هذا التقسيم راجع إلي المعنى لا إلي الألفاظ المتلوة؛ لأنا نجد الشطر الآخر يزيد علي الشطر الأول من جملة الألفاظ والحروف زيادة بينة، فينصرف إلي المعنى؛ لأن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء، ونصفها دعاء، وقسم الثناء ينتهي إلي قوله: ((إياك نعبد)) وباقي الآية من قسم المسألة، فلهذا قال في هذه الآية: ((بيني وبين عبدي)) تم كلامه.

وتحرير ذلك أنه تعالي قسم السورة في هذا التقرير أثلاثا، وقال في الثلث الأول: ((حمدني، وأثنى علي، ومجدني))، فأضافها إلي نفسه. وقال في الثلث الآخر: ((هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل))، فخصه بالعبد، وفي الوسط جمع بينهما، وقال: ((هذا بيني وبين عبدي)) ولأن يربط النصف الأول بالثاني قدم العبادة علي الاستعانة، لأن الوسيلة مقدمة علي طلب الحاجة. وأيضاً أن العبادة متفرعة علي الثلث الأول، لأن استحقاق اختصاص العبادة به تعالي إنما كان لأصل تلك الأوصاف الكاملة، وأن الاستعانة فرع عليها الثلث الآتي، وفسرت به فإن التقدير: كيف أعنيكم؟ فقالوا: اهدنا الصراط المستقيم.

ولاعتبار المعنى وتضمن الثلث الأول معنى البسملة استغني عنها به، وكذا ثلث الثلث الأول،

<<  <  ج: ص:  >  >>