٨٩٦ - وعن ربيعة بن كعب، قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي:((سل)). فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال:((أو غير ذلك؟)). قلت: هو ذاك. قال:((فأعني علي نفسك بكثرة السجود)). رواه مسلم.
ــ
ومعنى النداء فيه يا حزني، ويا هلاكي! احضر فهذا أوانك، كأنه ناداه لما عرض له من الأمر الفظيع وهو الندم علي ترك السجود لآدم عليه السلام. أقول: لعل نداء الويل [للتحريم] علي ما فاته من الكرامة، وحصول اللعن والطرد، والخيبة في الدارين، وللحسد علي ما حصل لابن آدم من القرب، والكرامة والفوز في الدارين.
الحديث العاشر عن ربيعة: قوله: ((أو غير ذلك)) ((مظ)): ((أو)) بسكون الواو. ((مح)): بفتحها، فالواو عاطفة تقتضي معطوفاً عليه، وهمزة الاستفهام تستدعي فعلا، والمعنى علي الأول: سل غير ذلك، فأجاب ((هو ذاك)) أي مسئولي ذاك، لا أنتهي عنه، وعلي الثاني: أتسأل هذا وهو شاق، وتترك ما هو أهون منه؟ فأجاب مسئولي ذاك، لا أتجاوز عنه، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظة ((ذلك)) التي هي للمشار إليه البعيد؛ لينتهي السائل عنه امتحاناً منه، فلما أجاب بقوله:((ذاك)) الذي هو المشار إليه المتوسط، وعلم صلى الله عليه وسلم أنه مصمم علي عزمه غير مستبعد ذلك أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله:((أعني)) إلي آخره. وفيه أن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية، التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحصول الزلفي عن الله في الدنيا بكثرة السجود المومأ إليه بقوله:{واسجد واقترب}، فإن في كل سجدة يسجدها العبد رفع درجة، كما سيرد في الحديث الآتي، فلا يزال العبد يترقى بالمدامة علي السجود درجة فدرجة حتى يفوز بالقدح المعلي من القرب إلي الله سبحانه وتعالي، فسأل به مرافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في تلك الدرجات.
انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة، وارتباط القرينتين لتقف علي سر دقيق، فإن من أراد مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يناله إلا بالقرب إلي الله سبحانه وتعالي، ومن رام قرب الله لم ينله إلا بقرب نبي الله تعالي. قال الله تعالي:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أوقع متابعة الرسول بين المحبتين، وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة الله العبد متوقفة علي متابعته صلى الله عليه وسلم، فلوح بقوله:((أعني علي نفسك)) إلي أن نفسه [بمثابة العدو المناوئ]، فاستعان بالسائل علي قهو النفس، وكسر شهواتها بالمجاهدة، والمواظبة علي الصلاة، والاستعانة بكثرة السجود، حسما للطمع الفارغ من العمل والاتكال علي مجرد التمني وأنشد: