للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

لأنه أفقه، ولاشتمال ما رواه علي زيادة، ولأنه الموافق لقوله تعالي: ((تحية من عند الله مباركة طيبة)) ولأنه في لفظه ما يدل علي زيادة ضبطه لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((وكان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن)). قال الشافعي: ويحتمل أن يكون وقع الاختلاف من حيث إن بعض من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظ الكلمة علي المعنى دون اللفظ، وبعضهم حفظ اللفظ والمعنى، وقررهم الرسول صلى الله عليه وسلم علي ذلك وسوغه لهم؛ لأن المقصود هو الذكر، وكله ذكر والمعنى مختلف، ولما جاز في القرآن أن يقرأ بعبارات مختلفة كان في الذكر أجوز.

واختار أبو حنيفة رواية ابن مسعود، واختار مالك ما روي عن عمر رضي الله عنه لقوله علي المنبر، ويعلمه الناس، وهو: التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا، وعلي عباد الله الصالحين، وإليه ذهب الشافعي قديماً، واستدل عليه بأن عمر رضي الله عنه لا يعلم الناس علي المنبر بين ظهرإني المهاجرين والأنصار إلا ما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا خلاف في أن المصلي أيما قرأ في الصلاة صحت صلاته، إنما الكلام في الفضل.

((فا)): أنكر النبي صلى الله عليه وسلم التسليم علي الله، وعلمهم أن يقولوا عكس ما يجب. ((تو)): السلام بمعنى السلامة، وهما مصدران كالمقام والمقامة، والسلام اسم من أسماء الله، وضع المصدر موضع الاسم مبالغة، ومعناه أنه سالم من كل عيب، وآفة، ونقص، وفناء. ومعنى قولنا: ((سلام عليك)) الدعاء، أي سلمت من المكاره. وقيل: معناه اسم السلام عليك، كأنه يتبرك عليه باسم الله، [والأمثل الدعاء يدل عليه التنكير في قولنا: سلام عليك إذ ليس معناه إلا الدعاء]، وعليه ورد التنزيل، قال الله تعالي: {سلام عليك يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)) ومنه التسليم علي الأموات. ووجه النهي عن السلام علي الله لأن الله عز وجل هو المرجوع إليه المسائل، المتوسل إليه بالدعاء، المتعالي عن المعإني التي ذكرناها في التسليم، فأنى يدعى له وهو المعدو علي الحالات؟ ولأي معنى يطلق عليه ما يستدعيه حاجة المفطورين وتقتضيه نقائض المربوبين؟

وأقول: تمام تقريره أن تسمية الله تعالي بالسلام لما أنه منزه مقدس عن النقائض والعيوب، وأن لا يحل بجانبه الأقداس شائبة خوف، وهذا المعنى مختص به؛ لما ورد: ((أنت السلام)) أي أنت المختص به لا غيرك؛ لتعريف الخبر، و ((منك السلام)) معناه أن غيرك في معرض النقصان والخوف، مفتقر إلي جانبك بأن تؤمنه، ولا ملاذ له غيرك، فدل علي التخصيص تقدير الخبر علي المبتدأ. و ((إليك يعود السلام)) يعني إذا شوهد في الظاهر أن أحداً آمن غيره فهو في الحقيقة راجع إليك، وإلي توفيقك إياه، وأنك غير مستقل به، ومن ثم قدم المعمول علي عامله، ثم إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>