للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩١٠ - وعن عبد الله بن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله.

رواه مسلم. ولم أجد في ((الصحيحين))، ولا في الجمع بين الصحيحين: ((سلام عليك)) و ((السلام علينا)) بغر ألف ولام، ولكن رواه ((صاحب الجامع)) عن الترمذي.

ــ

قلت: السلام عليك، ناقضت، حيث توهمت أنه مفتقر إلي ما هو منزه عنه من إزالة الخوف، وتلخيص هذا ما جاء في الدعاء: اللهم! إنك آمن من كل شيء وكل شيء خائف منك، فبأمنك من كل شيء وخوف كل شيء منك آمنا من خوف كل شيء.

الحديث الرابع عن ابن عباس: قوله: ((التحيات)) جمع تحية، وهي الملك، وقيل البقاء، وقيل السلام، وجمعها ليشمل هذه المعإني كلها، كأنه قيل: السلامة، والبقاء، والملك لله عز وجل. وسئلت عن تأليف هذا النظم، قلت: هو جملتان واردتان علي الاستئناف، فإن ((التحيات)) مبتدأ، و ((المباركات)) صفة، والخبر مقدر أي التحيات المباركات لله، فإن العبد لما وجه التحيات إلي الله تعالي اتجه السائل يقول: فما للعبد حينئذ؟ أجيب أن الصلوات الطيبات لله، فالله- عز وجل- يوجهها إليه جزاء لما فعل فضلاً منه ورحمة؛ فإن الصلاة هي الرحمة والبركة وأنواع الخير، وهي المسئولة في قوله: ((اللهم إني أسألك الطيبات)). وحين وصف الله تعالي بالبقاء الدائم والملك الثابت، ووجه السلام إلي نبي الله سبحانه وتعالي أتبعه بذكر التوحيد لله تعالي، والرسالة لنبي الله تعالي، ثم عقبه بالصلوات عليه، ليجمع له بين المنقبتين: النبوة والرسالة، ويحوز له الفضيلتين: الصلاة، والسلام.

فإن قلت: ما معنى قولنا: ((سلام عليك أيها النبي)) علي الخطاب، وهلا جيء بها علي الغيبة وهي الظاهرة سياقا، لينتقل من تحية الله- تعالي- إلي تحية النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إلي تحية النفس، ثم يعم الصالحين من عباده، كالملائكة والأولياء. قلت: نحن نتبع لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه حين علم الحاضرين من الصحابة كيفية التسليم، ومن ذهب إلي الغيبة توخى معنى ما يؤدى به اللفظ بحسب مقام الغيبة، وقريب منه قوله تعالي: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} بالياء والتاء، فالياء التحتإنية هو اللفظ المتوعد به بعينه، والفوقإنية معنى بحسب مقام الخطاب. وينصر هذا التأويل ما وراء البخاري في صحيحه عن ابن مسعود أنه قال: ((علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله- إلي قوله- السلام عليك، وهو بين ظهرإنينا، فلما قبض قلنا: السلام علي النبي)).

ويمكن أن نأخذ في شرع أهل العرفان، ونقول: ((الصلوات)) محمولة علي ما تعورف من الأركان المخصوصة، و ((الطيبات)) علي كونها خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي محصلة للزلفي،

<<  <  ج: ص:  >  >>