للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

كما قال سبحانه وتعالي: ((قل إن صلوتي ونسكي ومحياي ومماتي لله)) وحينئذ: تقدير السؤال أنهم حين استفتحوا باب الملكوت، واستأذنوا بالتحيات علي الولوج ما فعل بهم؟ أجيب أنه أذن لهم بالدخول في حريم الملك الحي الذي لا يموت، فقرت أعينهم بالمناجاة والمناغاة، كما ورد: ((وقرة عيني في الصلاة)) و ((أرحنا يا بلال)) فأخذوا في الحمد والثناء والتمجيد وطلب المزيد، وأسعفوا بحاجاتهم، فعند ذلك نبهوا علي أن هذه المنح والألطاف بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته، فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم المحبوب حاضر، فأقبلوا عليه مسلمين بقولهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسيأتي عن قريب الكلام في معنى الصلوات إن شاء الله تعالي.

قوله: ((المباركات)) ((غب)): أصل البرك صدر البعير، وبرك البعير ألقى بركه، واعتبر منه معنى اللزوم، وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء فيها، والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، وقال الله تعالي: {وهذا ذكر مبارك} تنبيها علي ما يفيض عيله من الخيرات الإلهية. ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس، وعلي وجه لا يحصى، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مبارك، فيه بركة.

قوله: ((السلام عليك)) ((مح)): يجوز فيها وفيما بعده أعني ((السلام علينا)) حذف اللام وإثباته، والإثبات أفضل، وهو الموجود في روايات الصحيحين: البخاري، ومسلم. وأقول: أصل سلام عليك: سلمت سلاماً عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلي الرفع علي الابتداء لدلالة علي ثبوت المعنى وإثباته، ثم التعريف في الموضعين إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلي الأمم السابقة من عباد الله الصالحين- علينا وعلي إخواننا، وإما للجنس، والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد أنه ما هو، وعمن يصدر، وعلي من ينزل- عليك، وعلينا، ويجوز أن تكون للعهد الخارجي، إشارة إلي قوله سبحانه وتعالي: {وسلام علي عباده الذين اصطفي} ولا شك أن هذه التقادير أولي وأحرى من تقدير النكرة.

قوله ((عباد الله الصالحين)) ((مح)): العبد الصالح هو القائم بحقوق الله سبحانه وتعالي، وحقوق العباد. وأقول: الصلاح هو استقامة الشيء علي حاله، وإفساد ضده، ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة؛ لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأوقات لكن لا تخلو من شائبة فساد وخلل، ولا يصفو ذلك إلا في الآخرة، خصوصاً لزمرة الأنبياء؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>