للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٢٥ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام)). رواه أبو داود، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)).

٩٢٦ - وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)). رواه النسائي. [٩٢٦]

ــ

الأرض يسيح سياحة، إذا ذهب فيها، وأصله من السيح، وهو الماء الجاري المنبسط علي الأرض، وفيه تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن المفخم.

الحديث الرابع عن أبي هريرة: قوله: ((رد الله علي روحي)) ينهون إليه صلوات أمته، كما ينهي أمور الرعية إلي الملوك، لعل معناه يكون روحه المقدسة في شأن ما في الحضرة الإلهية، فإذا بلغه سلام أحد من الأمة رد الله سبحانه وتعالي روحه المطهرة من تلك الحالة إلي رد من سلم عليه، وكذلك شأنه وعادته في الدنيا يفيض علي أمته من سحاب الوحي الإلهي ما أفاض الله عليه، ولا يشغله هذا الشأن- وهو شأن إفاضة الأنوار القدسية علي أمته- عن شأنه بالحضرة الإلهية، كما كان في عالم الشهادة لا يشغله شأن عن شأن، والمقام المحمود في العقبى عبارة عن هذا المعنى، فهو عليه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والبرزخ والعقبى في شأن أمته.

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عيداً)) ((تو)): يحتمل أن يراد به واحد الأعياد، أي لا تجعلوا زيارة قبري عيداً، أو قبري مطهر عيد، والمعنى لا تجتمعوا للزيارة اجتماعكم للعيد، فإنه يوم لهو وسرور وزينة، وحال الزيارة مخالفة لتلك الحالة، وكان ذلك من دأب اليهود والنصارى، فأورثهم ذلك الغفلة، وقسوة القلب، ومن عادة عبدة الأصنام أنهم لم يزالوا يعظمون أمواتهم حتى اتخذوها أصناما، وإلي هذا أشار صلى الله عليه وسلم: ((اللهم! لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله علي قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). ويحتمل أن يكون العيد اسما من الاعتياد، يقال: عادة، واعتاده، وتعوده، أي صار عادة له، يعني لا تجعلوا قبري محل اعتياد تعتادونه؛ لما يؤدي ذلك إلي سوء الأدب، وارتفاع الحشمة. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم عنه بالصلاة علي.

وأقول: بيان نظم الحديث أن يقال: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، معناه لا تجعلوا بيوتكم كالقبور الخالية عن ذكر الله تعالي وعبادته، لأنها غير صالحة لها، وكذلك لا تجعلوا القبور كالبيوت محلا للاعتياد لحوائجكم، ومكاناً للعبادة والصلاة، أو مرجعاً للسرور والزينة كالعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>