للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل) ثم تلا: (تتجافى

جنوبهم عن المضاجع. .) حتى بلغ (يعملون) ثم قال: (ألا أدلك برأس الأمر وعموده

ــ

(قض): وإنما جعل الصوم جنة؛ لأنه يقمع الهوى والشهوة، مصداقه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الصوم له

وجاء) فالشبع مجلبة للآثام، منقصة للإيمان، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه)

فإن الشبع يوقعه في مداحض، فيزيغ عن الحق، ويغلب عليه الكسل، فيمنعه من وظائف

العبادات، ويكثر المواد الفضول فيه، فيكثر غضبه وشهوته، ويزيد حرصه، فيوقعه في طلب ما

زاد على حاجته، فيوقعه في المحارم.

قوله: (الصدقة تطفئ الخطيئة) أصله تذهب الخطيئة، كقوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن

السيئات) ثم في الدرجة الثانية تمحو الخطيئة، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: (اتق الله حيث ما كنت

وأتبع السيئة الحسنة تمحها) أي السيئة المثبتة في صحيفة الكرام الكاتبين. وإنما قدرت الصحيفة

بقرينة (تمحو). ثم الدرجة الثالثة تطفئ الخطيئة لمقام الحكاية عن المباعدة عن النار، فلما وضع

الخطيئة موضع النار على الاستعارة المكنية أثبت لها على سبيل الاستعارة التخيبلية ما يلازم النار

من الإطفاء؛ ليكون قرينة مانعة لها من إدارة الحقيقة من الخطيئة. وأما قوله تعالى: (إنما يأكلون

في بطونهم ناراً) فمن إطلاق اسم المسبب على السبب. وأما معنى إذهاب السيئة بالحسنة تدفع

تلك الحسنة يوم القيامة إلى خصمه عوضا عن مظلمته.

فإن قلت: هل يلزم على هذا التقدير أن لا يكون الصوم أقوى حالا في المباعدة من النار

لأن الجنة هي الترس دون إطفاء النار. قلت: العكس أولى؛ لأن الجنة مانعة من صدور الخطيئة

التي هي سبب النار، والصدقة لا تمنع، وإنما تطفئ الخطيئة الحاصلة.

(قض) (وصلاة الرجل) مبتدأ، خبره محذوف، أي صلاة الرجل في جوف الليل كذلك، أي

تطفئ الخطيئة، أو هي من أبواب الخير، والأول أظهر لاستشهاده - صلى الله عليه وسلم - بالآية، وهي متضمنة

للصلاة والإنفاق. قلت: ويعضده تقييد القريتين السابقتين _ أعنى الصوم والصدقة _ بفائدتين

زائدتين، وهي الجنة وإطفاء الخطيئة؛ لأن الظاهر أن يقال: أبواب الخير الصوم، والصدقة لا

غير، وصلاة الرجل في جوف الليل، فلما قيدتا بهما يجب أن تقيد هذه بما يناسبها كما قدر

القاضي، والأظهر أن يقدر الخبر: شعار الصالحين، كما في جامع الأصول، ويفيد فائدة مطلوبة

زائدة على القريتين، هي أنهما لما أفادتا المباعدة عن النار فتفيد هذه الإدخال في الجنة، ويتم

ــ

<<  <  ج: ص:  >  >>