تعالى عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم
رمضان، وتحج البيت) ثم قال: (ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّةٌ، والصدقُة
ــ
جواب للاستفهام لأن المؤمن الراسخ في الإيمان لما كان مظنة لحصول الإقامة والامتثال صار
كالمتحقق منه ذلك.
قوله: (سألتني عن عظيم) (مظ): أي سألتني عن شئ عظيم مشكل متعسر الجواب، ولكنه
سهل على من يسره الله تعالى عليه؛ لأن معرفة العمل الذي يدخل الرجل الجنة من علم الغيب،
وعلم الغيب لا يعلمه أحد إلا الله، ومن علمه الله تعالى. أقول: إنه ذهب إلى أن (عظيم) صفة
موصوف محذوف، أي عن سؤال عظيم، والأظهر أن يقال: إنه الموصوف (أمر)، ويعنى به
العمل؛ لأن قوله: (تعبد الله) إلى آخره استئناف وقع بيانا لذلك الأمر العظيم، وعنه ينبئ
كلام القاضي، حيث قال: (وإنه ليسير) إشارة إلى أن أفعال العباد واقعة بأسباب ومرجحات
يفيض عليهم من عنده، وذلك إن كان نحو طاعة سمى توفيقا ولطفا، وإن كان نحو معصية
سمى خذلانا وطبعا. أقول: إنما أسند اليسر إلى الله وأطلق العسر لئلا ينسب الخذلان إليه
صريحا، على طريقة (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم).
قوله: (ألا أدلك على أبواب الخير) التعريف في (الخير) للجنس، (مظ): جعل هذه الأشياء
أبواب الخير لأن الصوم شديد على النفس، وكذا إخراج المال الصدقة، وكذا الصلاة في جوف
الليل، فمن اعتادها يسهل عليه كل خير، ويأتي منه كل خير؛ لأن المشقة في دخول الدار يكون
بفتح الباب المغلق. ويحتمل أن يكون التعريف للعهد الخارجي التقديري، وهو ما يعلم من
قوله: (تعبد الله ولا ت
شرك به) إلى آخره، المعني به الإسلام والإيمان الذي هو سبب لدخول الجنة،
والمباعدة من النار ظاهرة. أو المعني الخبر النوافل، دل عليه قوله: (وصلاة الرجل في
جوف الليل) لئلا يلزم التكرار، وسميت النوافل أبواب الفرائض؛ لأنها مقدمات ومكملات لها،
ومن فانته السنن حرم الفرائض.
قال بعض العلماء: من ترك الأدب عوقب بحرمان النوافل، ومن عوقب بحرمان النوافل
عوقب بحرمان السنن، ومن عوقب بحرمان السنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن عوقب بحرمان
الفرائض يوشك أن يعاقب بحرمان المعرفة، وما دل على المباعدة عن النار.
قوله: (الصوم جنة) أي عن النار؛ وإنما جعل الصوم جنة عن النار؛ لأن في الجوع سد
مجاري الشيطان، كما في الحديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ألا فضيقوا
مجاريه بالجوع) أو كما قال، فإذا سد مجاريه لم يدخل فيه، فلم يكن مسببا للعصيان الذي هو
سبب لدخول النار.