للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٢٣ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)) متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: ((ثم يبسط يديه ويقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم؟ حتى ينفجر الفجر)).

ــ

مع العمل، كما قال تعالي: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم} وقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، والحديث الوارد فيه مشهور. وهذا الحديث وإن خص بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالتقدير رب نفس أو نسمة كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، والله أعلم.

الحديث الخامس عن أبي هريرة: قوله: ((ينزل ربنا)) ((قض)): لما ثبت بالقواطع العقلية والنقلية أنه تبارك وتعالي منزه عن الجسمية والتحيز، والحلول، امتنع عليه النزول علي معنى الانتقال من موضع أعلي إلي ما هو أخفض منه، بل المعنى به علي ما ذكره أهل الحق دنو رحمته، ومزيد لطفه علي العباد، وإجابة دعوتهم، وقبول معذرتهم، كما هو ديدن الملوك الكرماء، والسادة الرحماء، إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين، ملهوفين فقراء مستضعفين. وقد روى: ((يهبط من السماء العليا إلي الدنيا)) أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال، وعدم المبالاة، وقهر العداة، والانتقام من العصاة، إلي مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرأفة والرحمة، وقبول المعذرة، والتلطف بالمحتاج، واستعراض الحوائج، والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي، والإغضاء عما يبدو من المعاصي. انتهي كلامه. وقوله: ((تبارك وتعالي)) جملتان معترضتان بين الفعل والظرف، لما أسند ما لا يليق إسناده بالحقيقة إليه، أتى بما يدل علي التنزيه معترضاً، كقوله تعالي: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} ((نه)): تخصيصاً بالليل وبالثلث الأخير منه، لأنه وقت التهجد، وغفلة الناس عمن يتعرض لنفحات رحمة الله. وعند ذلك تكون النية خالصة، والرغبة إلي الله تعالي وافرة، وذلك مظنة القبول والإجابة. و ((من يقض غير عدوم ولا مظلوم)) أي من يقرض غنياً لا يعجز عن أداء حقه والوفاء بعهده، عادلاً لا يظلم المقرض بنقض دينه، وتأخير الأداء عن وقته. والله تعالي غير عدوم لاستغنائه عن غيره، وافتقار غيره إليه: وغير ظلوم؛ لأنه يضعف أضعافاً، قال الله تعالي: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة}. وإنما وصف الله تعالي نفسه بالوصفين المذكورين ههنا؛ لأنهما المانعان غالباً عن الإعراض. أقول: إخراج العمل مخرج القرض تمثيل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه، وإيذان بكونه واجب الأداء بسبب الوعد، كالدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>