((سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات)) - يريد أزواجه- ((لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) رواه البخاري.
ــ
الحديث الرابع عن أم سلمة: قوله: ((سبحان)) قد مر أنها كلمة تعجب، وتعظيم للشيء. وقوله:((وماذا)) إلي آخره، كالتقرير والبيان؛ لأن ((ما)) استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم، وعبر عن الرحمة بالخزائن لكثرتها وعزتها. قال تعالي:{قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} وعن العذاب بالفتن؛ لأنها أسباب مؤدية إلي العذاب وجمعها؛ لسعتها وكثرتها.
قوله:((رب كاسية)) قال المالكي: أكثر النحويين علي أن معنى ((رب)) للتقليل، [وأن معنى ما يصدر بها الماضي]. والصحيح: أن معناها في الغالب التكثير. نص عليه سيبويه حيث قال في باب ((كم)) واعلم أن ((كم)) في الخبر لا تعمل إلا فيما يعمل فيه رب؛ لأن المعنى واحد، إلا أن ((كم)): اسم ورب غير اسم. ويشهد له الحديث إذ ليس المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:((رب كاسية)) الحديث، التقليل بل المراد أن الصنف المتصف بهذا من النساء كثير. وقال أيضاً: الصحيح أن ما يصدر ((برب)) لا يلزم كونه ماضي المعنى، بل يجوز مضيه وحضوره واستقباله، وقد اجتمع الحضور والاستقبال في ((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) وقد اجتمع المضي والمستقبل فيما حكى الكسائي من قول بعض العرب بعد الفطر لاستكمال رمضان ((رب كاسية صائمة لن تصومه، ورب قائمة لن تقومه)) والجواب أن قول سبيويه مؤول، فإنه يجوز أن يراد منه أن المعنى واحد بحسب حمل النقيض علي النقيض، وذلك شائع في كلامهم، فلا يكونان مترادفين، وما أدراه أن سيبويه وغيره ما سلكوا هذا المسلك؛ فإن البلغاء إذا وجدوا إلي المجاز سبيلاً لتضمنه النكتة لا يعدلوا عنه إلي الحقيقة؛ لخلوها عنها، ومما اختص به هذا الحديث من الفائدة. هي تخطئه رأيهن، وقلة مبالاتهن بالأمر الخطير، وعدم اكتراثهن بما هو أولي بهن، كقوله تعالي:{تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم}.
((شف)): أي كاسية من ألوان الثياب، عارية من أنواع الثواب وقيل: عارية من شكر المنعم. وقيل: هذا نهي عن لبس ما يشف من الثياب. وقيل: هو نهي عن التبرج. أقول: قوله: ((رب كاسية في الدنيا)) كالبيان لموجب استيقاظ الأزواج للصلاة، أي لا ينبغي لهن أن يتغافلن عن العبادة، ويعتمدن علي كونهن أهالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاسيات خلعة نسبة أزواجه مشرفات في الدنيا بها، فهن عاريات منها في الآخرة، فلا ينفعهن ولا ينجيهن من عذاب الله، إذا لم تضمها