للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الله! فأخذ بلسانه فقال: (كف عليك هذا) فقلت: يا نبيَّ الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم

به؟ قال (ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يُكبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو على

مناخرهم، إلا حصائدُ ألسنتهم؟) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة.

ــ

الشيء وتقويته، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه، وأهل اللغة يكسرون الميم

ويفتحونها، والرواية بكسر الميم. قوله: (فأخذ بلسانه) الباء زائدة، والضمير راجع إلى النبي

- صلى الله عليه وسلم -. (قض): (كف عليك) أي كف عليك لسانك، ولا تتكلم إلا بما يعنيك، فإن من كثر

كلامه كثر سقوطه، ومن كثر سقوطه كثرت ذنوبه، ولكثرة الكلام مفاسد يطول إحصاؤها، أو لا

تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس، فإنك غير مأخوذ به مالم تظهر؛ لما روى أبو هريرة

(رضي الله عنه) أنه قال: (إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما وسوست صدورها مالم تعمل أو

تتكلم). أو لا نتفوه بما (ستره) الله عليك؛ فإن التوبة عنه أرجى قبولا، والعفو عنه

أرجى لازم.

قوله: (إنا لمؤاخذون) المؤاخذة أن يأخذ أحد أحدا بذنبه. و (ثكلتك أمك) فقدتك، والثكل

موت الولد، وفقد الحبيب، وهذه وأمثاله أشياء مزالة عن أصلها إلى معنى التعجب وتعظيم

الأمر. (مظ): هذا دعاء عليه، ولا يراد وقوعه بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة. و (يكب) مضارع

كب بمعنى صرعه على وجهه، فأكب سقط على وجهه، وهذا من النوادر؛ فإن ثلاثيه متعد،

ورباعيه لازم.

قوله: (أو على مناخرهم) (أو) لشك الراوى، (المناخر) حمع منخر _ بقتح الميم وكسر الخاء،

وفتحها _ ثقبة الأنف. (الحصائد) جمع حصيدة، فعلية بمعنى مفعولة، من: حصد إذا قطع

الزرع. وهذا إضافة المفعول إلى فاعله، أي محصودات الألسنة، شبة ما تكلم به اللسان بالزرع

المحصود بالمنجل، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والردئ، فكذلك

لسان بعض الإنسان يتكلم بكل نوع من الكلام القبيحوالحسن، ثم حذف المشبه وأقيم المشبه به

مقامه على سبيل الاستعارة المصرحة، وجعل الإضافة قرينة لها، والاستثناء مفرغ؛ لأن في

الاستفهام معنى النفي، والتقدير: لا يكب الناس في النار شيء من الأشياء إلا حصائد ألسنتهم

من الكلام القبيح، مثل: الكفر، والقذف، والشتم، والغيبة، والبهتان، ونحوها. وهذا الحكم

وارد على الأغلب والأكثر؛ لأنك إذا جربت وفكرت لم تجد أحدا حفظ لسانه عن السوء، ولا

يصدر منه شيء يوجب دخول النار إلا نادرا، هذا، ومن أراد مزيد بيان في المعانى والبيان فعليه

بكتاب التبيان وشرحه.

ــ

<<  <  ج: ص:  >  >>