٣٠_ وعن أبى أمامه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب الله، وأبغض لله،
وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود.
ــ
الحديث الثاني عن أبي أمامه: قوله: (من أحب لله) (مظ): من أحب أحدا يحبه لله لا
لحظ نفسه، ومن أبغضه لله تعالى لكفره وعصيانه، لا لإيذائه له، ويعطى ما يعطى
لثواب الله تعالى ورضاه، لا لميل نفسه وريائه، ويمنع ما يمنع لأمر الله، فلا يصرف الزكاة عن
كافر لخسته، ولا عن بني هاشم لعزتهم، بل لأمر الله تعالى ومنعه ذلك. وفيه أنه لا يجوز
الوقف على المرتدين، وقطاع الطريق، والفرق الباغية، ويحرم بيع السلاح من هؤلاء، وبيع
العنب ممن يتخذ الخمر، فإن باع فالبيع صحيح، والفعل حرام. وقال: (استكمل) بمعنى أكمل.
أقول: هذا بحسب اللغة، وأما عند علماء البيان ففيه المبالغة؛ لأن الزيادة في اللفظ زيادة في
المعنى، كأنه جرد من نفسه شخصا وهو يطلب منه كمال الإيمان، ومنه قوله تعالى: (وكانوا من
قبل يستفتحون على الذين كفروا) أي يطلبون من أنفسهم الفتح عليهم.
هذا الحديث من تتمة الإحسان والإجادة في الإيمان في قوله: (تعبد الله كأنك تراه) يعنى إذا
اشتغلت بالله وبعبادته ينبغي أن لا يكون نظرك إلى ما سواه، واستقبل إليه بشراشرك، وكذا
إذا اشتغلت بخلق الله فلا يكون معاملتك معهم إلا لله، بل هو من الجوامع التي تضمن معنى
الإيمان، والإسلام، والإحسان؛ لأن من جملة المحبة لله محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبة متابعيه.
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وأنشد:
تعطى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
وإن من جملة البغض لله النفس الأمارة بالسوء، وأعداء الدين، وبغضهما مخالفة
لأمرهما، والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمره به ونهى عنه، ومع أعداء الله
بالمصابرة معهم، والمرابطة لأجلهم، قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
ــ