الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)) رواه البخاري.
ــ
تعالي، وشريعته التي أمر بها عباده واختار لهم مبنية علي اليسر والسهولة، كما قال تعالي:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} فمن شدد علي نفسه، وتعمق في أمر الدين مما لم يوجب عليه، كما هو دأب الرهبإنية يغلب ويضعف عن القيام. وسدد الرجل: إذا لزم الطريقة المستقيمة. و ((الفاء)) جواب شرط محذوف يعني إذا بينت لكم ما في المشادة من الوهن في العزيمة والفترة عن العمل ((فسددوا)) أي اطلبوا بنياتكم السداد وهو القصد المستقيم الذي لا ميل فيه. ((وقاربوا)) تأكيد للتسديد من حيث المعنى، يقال: قارب فلان في أموره، إذا اقتصد. و ((الغدوة)) المرة من الغدو، وهو سير أول النهار نقيض الرواح. و ((الغدوة)) بالضم ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. و ((الدجلة)) بالضم والفتح: اسم من أدلج بالتشديد، إذا سار من آخر الليل، استعيرت هذه الأوقات الثلاثة للصلاة فيها في قوله تعالي:{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل}؛ لأنها سلوك وانتقال من العادة إلي العبادة، ومن الطبيعة إلي الشريعة، ومن الغيبة إلي الحضور.
وأقول: قوله: ((يسر)) خبر ((إن)) مصدر وضع موضع اسم المفعول مبالغة. والتنكير فيه للتقليل، كما في ((شيء)) في قوله: ((وشيء من الدلجة)) أي لا ينبغي أن يحمل النفس السهر في سائر الليل بل يكتفي بشيء منه. وأما بناء المفاعلة في ((يشاد)) فليس للمغالبة، بل للمبالغة، نحو طارقت النعل، وهو من جانب المكلف، ويحتمل أن يكون للمغالبة علي سبيل الاستعارة، وفي وضع المظهر موضع المضمر وهو ((الدين)) تتميم لمعنى الإنكار، أي لن يبالغ في تشديد الدين الميسور أحد إلا صار مغلوباً حيث كابر الميسر، ويقال: أمره وقصده أن يغلب عليه بالزيادة فيعود مغلوباً بما أفرط. وعطف ((ولن يشاد)) علي الجملة الأولي لإرادة حصول الجملتين في الوجود، وتفويض ترتب الثانية علي الأولي إلي ذهن السامع، يعني إذا شرع الدين علي السهولة واليسر، فلا ينبغي أن يشاد فيه، فمن شاد صار مغلوباً. والمستثنى منه أعم عام الأوصاف، أي لم يحصل، ولم يستقر ذلك المشاد علي وصف من الأوصاف إلا علي وصف المغلوبية. وأما معنى البشارة فكأنه قيل: أبشروا معاشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً، بأن الله تعالي رضي لكم الكثير من الأجر بالعمل القليل دون سائر الأمم، كما عليه الحديث المشهور.
((حس)): في الحديث الأمر بالاقتصاد في العبادة وترك التشديد علي النفس مما يثقلها؛ لأن الله تعالي لم يعبد خلقه بأن ينتصبوا آناء الليل وأطراف النهار فلا يستريحوا، بل أوب عليهم وظائف في وقت دون وقت. وعن محمد بن المنكدر مرسلاً يرفعه: إن هذا الدين متين، فأوغل