للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية لمسلم، قال: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة؛ بيد أنهم)) وذكر نحوه إلي آخره.

ــ

وجاز حذف ((أن)) المشدد قياساً علي المخففة في نحو قوله تعالي: {يريكم البرق} أي أن يريكم؛ لأنهما أختان في المصدرية.

أقول: هذا الاستثناء من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. قال النابغة:

فتى كملت أخلاقه غير أنه جواد فما يبقى من المال باقيا

والبيت يجري في الاستثناء علي المنقطع لا المتصل بالادعاء، كما في قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

يعني إذا كان فلول السيف من القراع عيب، فلهم هذا العيب، ولكن هو من أخص صفة الشجاعة. وعلي هذا المعنى الحديث، وتقريره: نحن السابقون يوم القيامة بما منحنا من الفضائل، والكمالات، غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وهذا الإيتاء يؤكد مدح السابقين بما عقب من قوله: ((وأوتيناه من بعدهم)) لما أدمج فيه معنى النسخ لكتابهم، فالناسخ هو السابق في الفضل، وإن كان مسبوقاً في الوجود، وعلي هذا الأسلوب أيضاً قوله: ((ثم هذا يومهم)) إلي آخره، يعني يوم الجمة وإن أخر في الوجود وأوتيناه من بعدهم فهو سابق في الفضل والكمال، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: ((والناس لنا فيه تبع)).

((قض)): معنى قوله: ((فهدانا الله له)) بعد قوله: ((فرضهم عليهم)) أن الله تعالي أمر عباده، وفرض عليهم أن يجتمعوا يوم الجمعة، فيحمدوا خالقهم، ويشكروه بالعبادة، وما عينه لهم بل أمرهم: أن يستخرجوه بأفكارهم ويعينهوه باجتهادهم. فقالت اليهود: هو يوم السبت؛ لأنه يوم فراغ؛ وقطع عمل، فإن الله تعالي فرغ فيه عن خلق العالم، فينبغي للخلق أن يعرضوا عن صنائعهم ويفرغوا للعبادة. وزعمت النصارى: أن المراد به يوم الأحد؛ فإنه يوم بدأ الخلق الموجب للشكر والعبادة. فهدى الله هذه الأمة، ووفقهم الإصابة حتى عينوا الجمعة، وقالوا: إن الله تعالي خلق الإنسان للعبادة، وكان خلقه يوم الجمعة، فكانت العبادة فيه أولي؛ ولأنه تعالي أوجد في سائر الأيام ما ينتفع به الإنسان، وفي الجمعة أوجد نفسه، والشكر علي نعمة الوجود أهم وأحوى. ولما كان مبدأ دور الإنسان وأول أيامه يوم الجمعة، كان المتعبد فيه باعتبار العبادة متبوعاً، والمتعبد في اليومين اللذين بعده تابعاً.

قوله: ((أوتوا الكتاب)) التعريف فيه للجنس، ولذلك أفرد الضمير في قوله: ((وأوتيناه))

<<  <  ج: ص:  >  >>