فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع. ورأيت أكثر أهلها النساء)). قالوا: بم يا رسول الله؟ قال:((بكفرهن)): قيل: يكفرن بالله؟ قال:((يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلي إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط)). متفق عليه.
١٤٨٣ - وعن عائشة نحو حديث ابن عباس، وقالت: ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا
ــ
قوله: ((لأكلتم منه)) الخطاب عام في كل جماعة يتأتى منهم السماع والأكل إلي يوم القيامة، بدليل قوله:((ما بقيت الدنيا)). ((قض)): ووجه ذلك إما بأن يخلق الله تعالي مكان كل حبة تقتطف حبة أخرى، كما هو المروي في خواص ثمر الجنة، أو بأن يتولد منه مثله في الزرع فيبقى نوعه ما بقيت الدنيا، فيؤكل منه. ((مظ)): وسبب تركه صلى الله عليه وسلم تناول العنقود أنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب، فيرتفع التكليف. قال تعالي" {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها}. قوله:((ولم أر كاليوم منظرًا)) أي لم أر منظرًا مثل المنظر الذي رأيته اليوم أي منظرًا هولاً وفظيعًا. والفظيع: الشديد الشنيع. قوله:((وتكفرن الإحسان)) أي إحسان العشير. والجملة مع الواو مبينة للجملة الأولي علي طريقة أعجبني زيد وكرمه، والخطاب في ((لو أحسنت)) عام لكل من يتأتى منه الإحسان.
الحديث الرابع عن عائشة: قوله: ((أغير من الله)) ((نه)) الغيرة هي الحمية والأنفة، يقال: غرت علي أهلي، أغار غيرة، فأنا غائر. وغيور للمبالغة. ((نه)): ((أن يزني)) متعلق بـ ((أغير)) – وحذف الجار من ((أن)) قياس مستمر – ونسبة الغيرة إلي الله تعالي مجاز محمول علي غاية إظهار غضبه علي الزإني، وإنزال نكاله عليه. ووجه اتصال هذا المعنى بما قبله هو أنه صلى الله عليه وسلم لما خوف أمته من الكسوفين، وحرضهم علي الفزع والالتجاء إلي الله تعالي بالتكبير والدعاء، والصلاة، والتصدق، أراد أن يردعهم عن المعاصي كلها، فخص منها الزنا، وفخم شأنها في الفظاعة، وندب أمته بقوله:((يا أمة محمد)) ونسب الغيرة إلي الله تعالي. ولعل تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب، لأن أصل الغيرة أن يستعمل في الأهل والزوج، فامتنع من نسبة ذلك إلي الله تعالي تنزيهًا لجنابه الأقدس عنه. ويجوز أن تكون نسبة هذه الغيرة إلي الله تعالي من باب الاستعارة المصرحة التبعية، شبه حالة ما يفعل الله تعالي مع عبده الزإني من الانتقام وحلول العقاب عليه بحالة ما يفعل السيد بعبده الزإني من الزجر والتعزير، ثم كرر الندبة ليتعلق به ما ينتسبه به علي سبب الندبة، والفزع إلي الله تعالي من علم بالله تعالي وبغضبه، فقال:((يا أمة محمد – إلي قوله: لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا)). والقلة ها هنا بمعنى العدم، كما في قوله:((قليل التشكي)) أي عديمه، وقوله تعالي:{فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرا} وأنشد صاحب الكشاف: