للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦١٥ - وعن حارثة بن مضرب، قال: دخلت علي خباب وقد اكتوى سبعاً، فقال: لولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت)) لتمنيته، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك درهماً، وإن في جانب بيتي الآن لأربعين ألف درهم،

ــ

طال عمرك زادت درجتك وقربك إلي الله تعالي. ((فما)) في قوله: ((فما طال عمرك)) مصدرية، والوقت مقدر. ويجوز أن تكون موصولة، والمضاف محذوف، أي الزمان الذي طال عمرك فيه، والفاء في ((فهو خير لك)) داخلة علي الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والجملة جزاء كقوله: ((إن كنت خلقت))، و ((من)) في قوله: ((من عملك)) زائدة علي مذهب الأخفش، ويجوز أن تكون تبعيضية، أي حسن بعض عملك؛ لأنه طلب الموت، فقيل له: الشهادة خير لك مما طلبت، وهي إنما تحصل بالجهاد. ويعضده ما ورد في المتفق عليه عن سعد أنه قال: ((أخف بعد أصحابي؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة. ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون)).

الحديث الثالث عن حارثه: قوله: ((اكتوى)) ((نه)): الكي بالنار من العلاج المعروف في كثير من الأمراض، وقد جاء في أحاديث كثيرة النهي عن الكي. فقيل: النهي إنما كان لتعظيمهم أمره، ويرون أنه لا يحصل الشفاء إلا به. وأما إذا اعتقد أنه سبب للشفاء، وأن الله هو الشافي، فلا بأس به. ويجوز أن يكون النهي عنه من قبيل التوكل، كقوله: ((هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون، وعلي ربهم يتوكلون)). والتوكل درجة أخرى غير الجواز.

كقوله: ((ولقد رأيتني)) الواو قسمية، واللام جواب القسم، كأنه بين ما به اضطر إلي تمني الموت من ضر أصابه، إما مرض اكتوى بسببه، أو غنى خاف منه، والظاهر الثاني حيث عقب التمني بالجملة القسمية، وبين فيه تغير حالته: حالة صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالته يومئذ، ثم قاس حاله في جودة الكفن علي حال عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه مع تكفينه.

قوله: ((وإن في جانب بيتي)) ((إن)) مشددة، واللام دخلت في اسم ((إن)) كما في قوله تعالي: ((إن في خلق السموات والأرض – إلي قوله – لآيات لأولي الألباب}. فإن قلت: ((لكن)) تستدعي المخالفة بالنفي والإثبات بين الكلامين لفظاً أو معنى، فأين المخالفة هاهنا؟ قلت: المعنى إني تركت متابعة أولئك السادة الكرام، وما اقتفيت أثرهم حيث هيأت لكفني مثل هذا الثوب النفيس، لكن حمزة سار بسيرهم، فما وجد ما يواريه حيث جعل علي قدميه الإذخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>