١٦١٩ - وعنها، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال:((إن الروح إذا قبض تبعه البصر)) فضج ناس من أهله، فقال:((لا تدعوا علي أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون علي ما تقولون))، ثم قال:((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه)) رواه مسلم.
ــ
الأمر في التنزيل؟ قلت: لما أمره بالبشارة، وأطلقها ليعم كل مبشر به، وأخرجه مخرج الخطاب العام، لئلا يختص بالبشارة أحد دون أحد، نبه علي تفخيم الأمر وتعظيم شأن هذا القول، فنبه بذلك علي كون القول مطلوباً ومهتماً بالشأن، وليس الأمر إلا طلب الفعل؛ وذلك أن قوله:((إنا لله)) تسليم وإقرار أنه وما يملكه وما ينسب إليه عارية مستردة، ومنه بدأ وإليه الرجوع والمنتهي، فإذا وطن نفسه به، وتصبر علي ما أصابه، سهل عليه الأمر، وعرف فضيلة مطلوبه، ولم يرد بقوله:{قالوا إنا لله} اللفظ فقط؛ فإن التلفظ بذلك مع الجزع قبيح وسخط للقضاء.
قوله:((آجرني في مصيبتي)) ((نه)): آجره يؤجره: إذا أثابه وأعطاه الأجرة والجزاء، وكذلك أجره يأجره، والأمر منها: أجرني وآجرني. وقوله:((خيراً منها)) أي بما فات عني في هذه المصيبة، وهو الأمر المكروه ينزل بالإنسان.
قوله:((أي المسلمين)) تعجبت من تنزيل قوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا أخلف الله له خيراً منها علي مصيبتها؛ استعظاماً لأبي سلمة.
الحديث الرابع عن أم سلمة: قوله: ((وقد شق بصره)) ((نه)): شق بصر الميت- بفتح الشين ورفع الراء- إذا نظر إلي شيء لا يرتد إليه طرفه. وضم الشين منه غير مختار. وقوله:((إن الروح إذا قبض تبعه البصر)) يحتمل أن يكون علة للإغماض، كأنه قال: أغمضته؛ لأن الروح إذا فارق في الذهاب، فلم يبق لانفتاح بصره فائدة، وأن يكون علة للشق، والمعنى: أن المحتضر يتمثل له الملك المتوفي لروحه فينظر إليه شزراً، ولا يرتد طرفه حتى يفارقه الروح، وتضمحل بقايا قوى البصر، ويبقى البصر علي تلك الهيئة. ويعضده ما روى أبو هريرة عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره؟)) قالوا: بلي، قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه)) أخرجه مسلم.
وغير مستنكر من قدرة الله سبحانه وتعالي أن يكشف عنه الغطاء ساعتئذ حين يبصر ما لم يكن يبصر.