يأتوا به أبواب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبة يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان، ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنه كان في غم الدنيا. فيقول: قد مات: أما أتاكم؟ فيقولون: قد ذهب به إلي أمه الهاوية. وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلي عذاب الله عز وجل. فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار)) رواه أحمد والنسائي [١٦٢٩].
ــ
قوله:((فلهم أشد فرحاً)) ((لهم)) مبتدأ و ((أشد)) خبره واللام للابتداء مؤكدة نحوها في قوله تعالي: {لهو خير للصابرين}. ولا يبعد أن تكون جارة، أي لهم فرح أشد فرحاً، فيلزم أن يكون الفرح فرحاً، نحو قوله تعالي:((أو أشد خشية)) في وجه. والفاء داخلة علي الجملة، كما في قوله:{فروح وريحان}، أي فله روح وريحان، لكنها جزائية، وهذه للتعقيب. وقوله:((بغبائه)) متعلق بمحذوف، و ((يقدم)) حال من ((غائبه)) أي من فرح أحدكم بغائبه حال قدومه.
قوله:((ماذا فعل فلان)) أي كيف حاله وشأنه، ((والأم)) مصيره، ((فيقولون)) أي يقول بعض أولئك لبعض: دعوا القادم وسؤاله، فإنه حديث عهد بتعب الدنيا.
قوله:((ذهب به)) لابد من تقدير الفاء، كما في قول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقوله تعالي:{يدرككم الموت} في وجه، أي إذا كان الأمر كما قلت إنه مات ولم يلحق بنا، فقد ذهب به إلي أمه الهاوية لقوله تعالي:{فأمه هاوية}((والهاوية)) من أسماء النار، وكأنها النار العميقة يهوي أهل النار فيها مهوى بعيداً. وقيل للمأوى: أم علي التشبيه؛ لأن الأم مأوى الولد ومفزعه، كقوله تعالي:{مأواكم النار} فالهاوية في الآية خبر لـ ((أمه))، وفي الحديث بدل أو عطف بيان له.
قوله:((بمسح)) الجوهري: المسح البلاس، والجمع أمساح ومسوح، وقوله:((باب الأرض)) أي باب سماء الأرض، يدل عليه الحديث السابق ((ثم يعرج بها إلي السماء)). ويحتمل أن يراد بالباب باب الأرض، فيرده إلي أسفل السافلين حيث أرواح الكفار. والله أعلم.