١٣٦٠ - وعن البراء بن عازب، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلي القبر، ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأن علي رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال:((استعيذوا بالله من عذاب القبر)) مرتين أو ثلاثاً، ثم قال:((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلي مغفرة من الله ورضوان)) قال: ((فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت علي وجه الأرض)) قال: ((فيصعدون بها، فلا يمرون- يعني بها- علي ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلي السماء الدنيا، فيستفتحون لها، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلي السماء التي تليها، حتى ينتى به إلي السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلي الأرض فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى)) قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيلجسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا
ــ
الحديث الخامس عن البراء رضي الله عنه: قوله: ((ولما يلحد)) ((لما)) بمعنى ((لم)) إلا أن فيه ضرباً من التوقع، فدل علي نفي اللحد فيما مضي، وعلي توقعه فيما يستقبل. وقوله:((كأن علي رءوسنا الطير)) كناية علي إطراقهم رءوسهم، وسكونهم، وعدم التفاتهم يميناً وشمالاً. ((وينكت به)) أي يؤثر بطرف العود الأرض فعل المفكر المهموم. و ((الحنوط)) ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة. وقوله:((فإذا أخذها لم يدعوها)) إشارة إلي أن ملك الموت إذا قبض روح العبد، يسلمها إلي أعوانه الذين معهم كفن من أكفان الجنة، ولذلك أفرد الضمير ثم جمعه. و ((كأطيب)) صفة موصوف محذوف هو فاعل ((يخرج)) أي يخرج منه رائحة كأطيب نفسحة مسك.