١٦٤٧ - وعن أبي سعيد [الخدري]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال علي أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق)). رواه البخاري.
١٦٤٨ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)) متفق عليه.
ــ
ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا، قابل قرينتها بوضع الشر عن الرقاب، وكان أثر عمل الرجل الصالح راحة له، فأمر بإسراعه إلي ما يستريح إليه، وأثر عمل الرجل الطالح مشقة عليهم، فأمر بوضع حيفته عن رقابهم. فالضمير في ((إليه)) راجع إلي الخير باعتبار الثواب أو الأكرام. وروى المالكي في التوضيح ((إليها)) بالتإنيث، وقال: أنث الضمير العائد علي الخير وهو مذكر، فكان ينبغي أن يقول: فخير قدمتموها إليه، لكن المذكور يجوز تإنيثه إذا أول بمؤنث، كتأويل الخير الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة، أو بالحسنى أو بالبشرى.
وأقول: معنى الحديث ينظر إلي ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: ((مستريح أو مستراح منه)) أي يستريح إلي رحمة الله تعالي، أو يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب.
الحديث الثاني عن أبي سعيد: قوله: ((لأهلها)) أي قالت لأجل أهلها إظهاراً لوقوعه في الحزن والهلاك، والمشقة والعذاب. وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه: يا حزني، يا هلاكي، يا عذابي! احضر، فهذا وقتك وأوانك. وأضاف الويل إلي ضمير الغائب حملاً علي المعنى، وعدل عن حكاية قول الجنازة ((يا ويلي)) كراهة أن يضيف الويل إلي نفسه. قوله:((لصعق)) أي مات. ((نه)): الصعق أن يغشى علي الإنسان من صوت شديد يسمعه وربما مات منه، ثم استعمل في الموت منه كثيراً.
الحديث الثالث، والرابع عن أبي سعيد: قوله: ((فقوموا)) ((قض)): الباعث علي الأمر بالقيام أحد أمرين: إما ترحيب بالميت وتعظيمه، وإما تهويل الموت وتفظيعه، والتنبيه علي أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأي ميتاً استشعاراً منه ورعباً، ولا يثبت علي حاله لعدم المبالاة، وقلة الاحتفال به. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:((إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)) فإن ترتب الحكم علي الوصف لاسيما إذا كان بالفاء يدل علي أن الوصف علة الحكم، والفزع- بفتح الزاي- مصدر، جرى الوصف به للمبالغة، أو بتقدير ((ذي)). وقوله:((ولا يقعد حتى توضع)) قيل: أراد به وضعها عن الأعناق، ويعضده رواية الثوري ((حتى توضع بالأرض)). وقيل: حتى