٥٤ - وفي رواية ابن عباس:((ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن)). قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان؟ قال هكذا، وشبك بين أصابعه ثم أخرجها، فإن تاب عاد إليه هكذا، وشبك بين أصابعه. وقال أبو عبد الله: لا يكون هذا مؤمنا تاما، ولا يكون له نور الإيمان. هذا لفظ البخاري.
٥٥ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث)). زاد مسلم:((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم))، ثم اتفقا:((إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) [٥٥].
ــ
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((آية المنافق ثلاث)) الآية العلامة. وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر؛ لأنها مشتملة على المخالفة التي عليها مبني النفاق، من مخالفة السر والعلن. فالكذب: هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به والأمانة حقها أن تؤدى إلى أهلها، فالخيانة مخالفة لها. والخلاف في الوعد ظاهر؛ ولذلك صرح بأخلف.
النفق سرب في الأرض، له مخلص إلى مكان. و ((النافقاء)): إحدى جحرتي اليربوع، وهو موضع يدققه، فإذا أتى من قبل القاصعاء – وهو جحره الذي يقصع فيه أي يدخل – ضرب النافقاء برأسه، فانتفق أي خرج، يقول: نافق اليربوع أي أخذ في نافقائه. ومنه اشتقاق المنافق: وهو الذي يدخل في الشرع من باب ويخرج من باب، أيضا يكتم الكفر، ويظهر الإيمان، كما أن اليربوع يكتم النافقاء، ويظهر القاصعاء، كانوا يظهرون الإسلام تسترا به، وهم مقيمون على كفرهم.
قوله:((وإن صام، وصلى)) التثنية للاستيعاب، أي وإن عمل أعمال المسلمين من الصوم، والصلاة وغيرهما من العبادات. وهذا الشرط اعتراض وارد للمبالغة لا يستدعي الجواب، كذا عن صاحب الكشاف. ((شف)): وفي الحديث دليل على ما ذهب إليه الحسن البصري: من أن صاحب الكبيرة منافق. وعنه رضي الله عنه: أنه ذكر له هذا الحديث، فقال: إن بني يعقوب عليه السلام حدثوا فكذبوا، ووعدوا فأخلفوا، وائتمنوا فخانوا، وكان ذلك الفعل منهم نادرا، ولم يصروا عليه، وسألوا أباهم أن يستغفر لهم، فلم يتمكن منهم صفة النفاق بخلاف المنافق؛ فإن هذه الخصال هجيره وعادته بدليل إتيان الجملة الشرطية مقارنة بـ ((إذا)) الدالة على تحقق الوقوع. ((تو)): من اجتمعت فيه تلك الخصال، واستمرت أحواله عليها، فبالحري أن يسمى منافقا. وأما المؤمن المفتون بها؛ فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى، وإن أصر عليها زمانا أقلع عنها زمانا آخر، وإن وجدت فيه خلة عدمت منه أخرى.