للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن؛ فإياكم إياكم)) متفق عليه.

ــ

كمال الإيمان؛ لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء، ونحوه ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)).

ومصداقه قوله صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء من الله حق الحياء: أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى)). وما وعى الرأس: هو اللسان، والفم، والسمع، والبصر. وما حوى البطن والسرة: وهو ما دار عليها من القلب، والفرج، واليدين، والرجلين. فلو استحى هذا الرجل من الله تعالى حق الحياء، لحفظ الفرج من الزنا، والعين من النظر إلى المحارم – كما ورد: ((وزنى العين النظر)) – واليد من السرقة والغصب، والرجل من المشي إلى حوانيت الزواني، والغارة ونهب أموال المسلمين، والفم من شرب الخمر وأكل الحرام، والقلب من الغل والحقد المؤديين إلى قتل النفس والجناية؛ لأنه لو حفظ منها ما غل أموال المسلمين، ومن الزنى لأن زنى القلب الاشتهاء، واللسان فإنه ملاك ذلك كله، ولو حفظه ما وقع فيها؛ لما ورد ((كف عليك هذا)). ويجوز أن يكون من باب التغليظ والتشديد، كقوله تعالى: {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً ومَن كَفَرَ} يعني: هذه الخصال ليست من صفات المؤمنين؛ لأنها منافية لحالتهم، فلا ينبغي أن يتصفوا بها، بل هي من أوصاف الكافرين. وينصره قول الحسن، وابن جعفر الطبري: إن المعنى: ينزع منه اسم المدح الذي سمى به أولياؤه المؤمنون، ويستحق اسم الذنب، فيقال: سارق، وزان، وفاجر، وفاسق – انتهى كلامه. قال الله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَاّ يَسْتَوُونَ}.

قوله: ((ولا ينتهب)) انتهب ونهب، بفتح العين في الماضي والغابر إذا أغار على أحد، وأخذ ماله قهرا. ((النهبة)) – بفتح النون – المصدر، وبالضم المال الذي انتهبه الجيش فيها، أي في تلك النهبة. ((أبصارهم)) مفعول ((يرفع) يعني: أخذ الرجل مال قوم قهرا وظلما؛ وهم ينظرون إليه، ويتضرعون ويبكون، ولا يقدرون على دفعه، فهذا ظلم عظيم لا يليق بحال من هو مؤمن. ((يغل)) – بفتح الغين في الماضي وضمها في الغابر – إذا سرق شيئا من الغنيمة، أو خان في أمانة. و ((إياكم)) منصوب على التحذير، والتكرير للتأكيد والمبالغة في التحذير والتخويف.

<<  <  ج: ص:  >  >>