للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). متفق عليه.

٥٣ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن،

ــ

بإزاء كل مسلم أكثر من كافرين يجوز الفرار. ((الزحف)) الجماعة الذين يزحفون إلى العدو، أي يمشون إليهم، مشتقة من: زحف الصبي، إذا دب على إسته.

قوله: ((قذف المحصنات)) ((شف)): القذف الرمي البعيد، استعير للشتم والعيب والبهتان، كما استعير الرمي. ((المحصنات)) جمع محصنة – بفتح الصاد – مفعولة، أي التي أحصنها الله تعالى وحفظها من الزنا، و – بكسرها – اسم فاعلة، أي التي حفظت فرجها من الزنا. و ((الغافلات)) كناية عن البريئات؛ لأن البريء غالف عما بهت به من الزنا. واحترز بـ ((المؤمنات)) عن قذف الكافرات؛ فإن قذفهن ليس من الكبائر، فإن كانت ذمية فقذفها من الصغائر لا يوجب الحد، وفي قذف الأمة المسلمة التعزير دون الحد، والتعزير بتعلق باجتهاد الإمام، وإن كان المقذوف رجلا يكون القذف أيضا من الكبائر، ويجب الحد أيضا.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا يزني الزاني)) الحديث، قال المالكي: ومن حذف الفاعل قوله النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يشرب الخمر حين يشربها)) وكذا قوله: ((ولا ينتهب نهبنة، ولا يغل، ولا يقتل)) أي لا يشرب شارب، ولا ينتهب ناهب، ولا يغل غال، ولا يقتل قاتل، كقوله تعالى: {ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ} في قراءة هشام، أي لا يحسبن حاسب.

وأقول: تكلم فيه العلماء أقوالا كثيرة. ((مظ)): ذكر منها قولين، وقال: هذا وأشباهه لنفي الكمال، أي لا يكون كاملا في الإيمان حالة كونه زانيا، ويحتمل أن يكون لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي، وقد اختار هذا التأويل بعض العلماء، والأول أولى؛ لأنا لو قلنا بالثاني لم تبق بالتقييد بالظرف والحال فائدة؛ لأن الزنا منهي عنه في جميع الأديان، وليس مختصا بالمؤمنين. وأقول: يمكن أن يقال: المراد بالإيمان المنفي الحياء، كما سبق: أن الحياء شعبة من الإيمان، أي لا يزني الزاني حين نزني وهو يستحيي من الله تعالى؛ لأنه لو استحيى من الله تعالى واعتقد أنه حاضر شاهد لحاله لم يرتكب هذا الفعل الشنيع، مثل حياءه فيه ثم وقاحته وخروج الحياء منه ثم نزعه عن الذنب وإعادة الحياء إليه بتشبيك الرجل أصابعه، ثم إخراجها منها ثم إعادتها إليها كما كانت، على ما روى عكرمة عن ابن عباس تخويفا له، وردعا حيث صورت بهذه الصورة. ويعضده حديث أبي هريرة: ((إذا زنى العبد خرج منه الإيمان – إلى قوله – كأنه ظلة)) وهذا التأويل يوافق قول الأول؛ لأنه إذا انتفى الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، ينتفي

<<  <  ج: ص:  >  >>