للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧ - وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة)). رواه مسلم. [٥٧]

الفصل الثاني

٥٨ - عن صفوان بن عسال، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له صاحبه: لا تقل: نبي، إنه لو سمعك لكان له أربع أعين. فأتيا رسول

ــ

و ((الفجور)): في اللغة الميل والشق، فهو – إما ميل عن القصد المستقيم، وإما شق ستر الديانة، والمراد هنا الشتم والرمي بالأشياء القبيحة والبهتان، بقرينة قوله ((إذا خاصم فجر)). لا منافاة بين قوله: ((آية المنافق ثلاث)) وقوله: ((أربع من كن فيه فهو منافق)) لأن الشيء الواحد قد يكون له علامات، كل واحد منها يحصل بها صفة، فتارة يذكر بعضها، وأخرى جميعها أو أكثرها.

الحديث السابع عن ابن عمر: قوله: ((مثل المنافق)) ((تو)): ((العائرة)) أكير ما يستعمل في الناقة، وهي التي تخرج من الإبل إلى أخرى؛ ليضربها الفحل، والجمل عائر يترك الشوك إلى أخرى، ثم يتسع في المواشي. وأراد بـ ((الغنمين)) الثلثين، فإن الغنم اسم جنس يقع على الواحد والجمع. ضرب النبي عليه الصلاة والسلام للمنافق مثل السوء، فشبه تردده بين الطائفتين من المؤمنين والمشركين تبعا لهواه، وقصدا لغرضه الفاسد، وميلا إلى ما يبتغيه من شهواته – بتردد الشاة العائرة، وهي تطلب الفحل فتتردد بين الثلتين، فلا تستقر على حال، ولا تثبت مع إحدى الطائفتين، وبذلك وصفهم الله في كتابه فقال عز من قائل: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إلَى هَؤُلاءِ ولا إلَى هَؤُلاءِ}. أقول: وخص الشاة العائرة بالذكر إدماجا، بمعنى سلب الرجولية عن النافقين، من طلب الفحل للضراب.

الفصل الثاني:

الحديث الأول عن صفوان: قولهك ((اذهب بنا)) الباء في ((بنا)) بمعنى المصاحبة، أي كن رفيقي لنأتيه، هذا مذهب المبرد، وصاحب الكشاف. قوله: ((أربع أعين)) ((تو)): أي يسر لقولك (إلى) هذا النبي سرورا، يزداد به نورا إلى نوره، كذى عينين أصبح يبصر بأربع أعين؛ لأن السرور يمد القوة الباصرة، كما أن الهم والحزن والكآبة يخل بها؛ ولهذا يقال لمن أحاطت به الهموم: أظلمت عليه الدنيا، وبذلك شهد التنزيل {وابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ}.

أقول: قوله: ((أربع أعين)) كناية عن السرور المضاعف، أي سرور بعد سرور، فلم يرد به التثنية بل الاستمرار، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وذلك أنهم يكنون عن السرور بقرة العية، قال الله تعالى: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>