للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببرئ

ــ

قوله: ((عن تسع آيات)) والآية: هي العلامة الظاهرة، ويستعمل في الحسوسات والمعقولات فيقال لكل ما تتفاوت به المعرفة بحسب الفكر والتأمل فيه، وحسب منازل الناس في العلم: آية، ويقال لكل جملة دالة على حكم من أحكام الله تعالى: آية، ويقال لكل كلام منفصل بفصل لفظي: آية، وللمعجزة: آية؛ لما فيها من الدلالة على النبوة، وصدق من ظهرت هي بسببه، والمراد بالآيات هنا: إما المعجزات التسع المذكورة في قوله تعالى: {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وهي: اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنون، ونقص من الثمرات. وقيل الطمسة وانقلاب البحر مكان اليد، والعصا، ويشهد له ما روى الترمذي – رحمه الله – أنهما سألاه عن هذه الآية، وعلى هذا فقوله: ((لا تشركوا)) كلام مستأنف ذكره عقيب الجواب، ولم يذكر الراوي جوابه استغناء بما في القرآن أو لغيره. وأما الأحكام العامة الشاملة للملل كلها، وبيانها ما بعدها.

فإن قلت: كيف يكون هذا جوابا وهو عشرة خصال، والمسئول عنه تسع؟ قلت: الزيادة على السؤال جائز، واقع في قوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن ماء البحر: ((طهور ماؤه وحل ميتته)).

هذا وقوله: ((وعليكم خاصة)) حكم مستأنف مختص بدينها، غير شامل لسائر الأديان، لا تعلق له بسؤالهم؛ فلهذا غير سياق الكلام، والله أعلم. وقد أجيب بأنه ليس في بعض الروايات ((ولا تقذفوا المحصنة)) وفي بعضها ((أو لا تولوا للفرار)) على الشك، وهو لا ينتهض جوابا بالنظر إلى ما في الكتاب.

أقول: والأظهر أن اليهود سألوا عما عندهم من الآيات المنصوصة بالعشر، وكانت تسع منها متفقا عليها بينهم وبين المسلمين، وواحدة مختصة بهم، فسألوا عن المتفق عليها وأضمرا ما كان مختصا بهم، فأجابهم عليه الصلاة والسلام عما سألوه، وعما أضمروا؛ ليكون أدل على معجزته، ولذلك قبلا يديه.

قوله: ((ولا تمشوا ببريء)) الباء في ((ببريء)) للتعدية أي لا تكلموا بسوء في من ليس له ذنب عند السلطان، كيلا يقتله، و ((عليكم)) خبر لـ ((أن لا تعتدوا)). وقيل: هي كلمة الإغراء، و ((أن لا تعتدوا)) مفعوله، أي الزموا واحفظوا ترك الاعتداء، و ((خاصة)) منون حال، و ((اليهود)) نصب على التخصيص، أي أعني اليهود. ويجوز أن يكون خاصة بمعنى: خصوصا، ويكون اليهود معمولا لفعله، أي أخص اليهود خصوصا. وفي بعض طرق الحديث ((يهود)) مضموما بلا لام على أنه منادى.

<<  <  ج: ص:  >  >>