للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٧٨٢ - وعن جابر بن عَتيك، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتيكم رُكَيْب مبغَّضُون، فإِذا جاءوكم فرحبوا بهم، وخلُّوا بينهُم وبين ما يبتغون، فإِنْ عدَلوا فلأنفُسهِم، وإِنْ ظلمُوا فعليهم، وأرضُوهمْ فإنَّ تمام زكاتكم رضاهم، وليَدعوا لكم)) رواه أبو داود. [١٧٨٢]

ــ

أقول: هذا كلام حسن، لكن في قوله: ((رغبهم عنه إلي ما هو خير)) بحث؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رغبهم عن اقتناء المال رأساً، بل أرشدهم إلي ما هو خير منه في النفع وأصلح لحالهم. وهذه الزيادة من باب الأسلوب الحكيم، وتلقى المخاطب بغير ما يترقب؛ فإن عمر رضي الله عنه ترقب في أمر المال ما يزيل الحرج عن اقتنائه، فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حصل رضاه، وزاد علي ما توخاه، وقريب منه قوله تعالي: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين} الآية. وأما وجه المناسبة بين المال والمرأة فهو تصور الانتفاع من كل منهما، وأنهما نوعا هذا الجنس؛ ولذلك استثنى الله تعالي {من أتى الله بقلب سليم} من قوله: {يوم لا ينفع مال ولا بنون}.

قوله: ((إذا غاب عنها حفظته)) مقابل لقوله: ((إذا نظر إليها سرته) وقوله: ((وإذا أمرها أطاعته)) فإنهما دلا علي حسن خلْقها وخلقها عند الحضور.

الحديث الثاني عن جابر بن عتيك: قوله: ((ركيب مبغضون)) يريد عمال الزكاة. والركيب تصغير ركب، وهو اسم جمع؛ فلذا صغر علي لفظه، وإلا لينبغي أن يقال: رويكبون. ((شف)): جعلهم مبغضين لما في نفوس رباب الأموال من حبها وكراهة فراقها. ((مظ)): معناه: قد يكون بعض العاملين سيئ الخلق متكبراً، فاصبروا علي سوء خلقهم.

أقول: والأول أوجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي ركيب)) لأن فيه إشعاراً بأنهم عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصره شكوى القوم عنهم في الحديث الذي يليه، وهو قولهم: ((إن ناساً من المصدقين يأتونا فيظلمونا)) ولا ارتياب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل ظالماً، فالمعنى: أنه سيأتيكم عمالي يطلبون منكم زكاة أموالكم، والنفس مجبولة علي حب المال فتبغضونهم، وتزعمون أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>