للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أوسعَ الناس صدرًا، وأصدَقَهم لهجة، وألينَهم عريكة، وأكرمَهم عِشْرة.

وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويجيب الدعوة، ويقبل الهدية، ويكافح عليها، ويأكلها، ولا يأكل الصدقة.

وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر، ولا يأكل متكئًا، ولا على خِوان، منديله باطن قدميه، لم يشبع من خبزِ بُرٍّ ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، متواضعًا، خاتمه يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر، يُرْدِف خلفه عبدَه، أو غيره، يركب ما أمكنه، ومرة يمشي حافيًا، يمزح ولا يقول إلا حقًا.

وقالت عائشة رضي الله عنها: سابقتُه فسبقتُه، فلما كثر لحمي، سابقتُه فسبقني، ثم ضرب كتفي، وقال: "هَذِهِ بِتِلْكَ" (١).

وكان - صلى الله عليه وسلم - يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح ولا يُنكره، وهو أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وإذا سئل الدعاء على أحد: مسلمٍ أو كافر، أو خاصٍّ أو عام، عدلَ عن الدعاء عليه، ودعا له، وما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرَهما، إلا أن يكون فيه إثم، أو قطيعةُ رحم، فيكون أبعدَ الناس من ذلك، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكُه بالشام.

وكان من خُلُقِه - عليه الصلاة والسلام -: أن يبدأ من لَقِيَه بالسلام،


(١) رواه أبو داود (٢٥٧٨)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٤٦٩١).