واتفق ذلك في آخر عمره قبل موته بيسير، فاستدعى جماعةً من أئمة الحديث، فدعاهم إلى ذلك، فامتنعوا، فهددهم، فأجاب أكثرُهم مُكرَهين.
واستمر الإمام أحمد على الامتناع، فحمله على بعير، وسيرّه إلى الخليفة، فلما قربوا من جيش المأمون، وأُنزلوا دونَه بمرحلة، فبلغ الإمامَ أحمدَ توعُّدُ الخليفة له بالقتل إن لم يُجبه إلى القول بخلق القرآن، فتوجَّه الإمام أحمدُ إلى الله بالدعاء، فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، ففرح الإمام أحمد بذلك.
ثم جاء الخبر بأن المعتصم ولي الخلافة، وقد انضم إليه أحمدُ بن أبي دؤاد، وأن الأمر شديد، فردُّوه إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، فوصل بغداد وهو مريض في رمضان، فأودع في السجن نحو ثمانية وعشرين شهرًا.
ثم أُخرِج إلى الضرب بين يدي المعتصم، فدُعي إلى القول بخلق القرآن ثلاثةَ أيام، بحضور جماعة أحضرهم الخليفة، وكان المعتصب عليه أحمد بن أبي دؤاد، كل ذلك والإمام أحمد يقول: أعطوني شيئًا من كتاب الله، وسنةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقولَ به، فما زال ابن أبي دؤاد وغيرُه يُغرون الخليفة عليه، ويقولون: هذا كافرٌ مُضِلٌّ، حتى اشتدَّ غضبُه، فأمر بضربه، فضُرِب بالسياط، وكان جملة ما ضرب نيفًا وثمانين سوطًا.
ووقع له في هذه المحنة أخبارٌ كثيرة، وكرامات ظاهرة؛ من ستر عورته لمّا انحل سراويله، وغير ذلك مما هو مشهور، فلما عوفي، فرح المعتصم والمسلمون بذلك، وجعل الإمام أحمد كلَّ من سعى في أمره