في حِلٍّ، إلا أهلَ البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور: ٢٢].
وقال أبو الوليد الطيالسي: لو كان هذا في بني إسرائيل، لكان أُحدوثة.
وقال المزني: أحمدُ بن حنبل يومَ المحنة، وأبو بكر يوم الردَّة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صِفِّين.
ومناقبه - رضي الله عنه - أكثرُ من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر، ولم يزل الإمام أحمد على ذلك مدة خلافة المعتصم، وأيام الواثق، فلما ولي المتوكل، استبشر الناس بولايته؛ فإنه كان محبًا للسنة وأهلِها، ورفعَ المحنة عن الناس، وكتب إلى نائبه ببغداد - وهو إسحاق بن إبراهيم -: أن يبعث إليه بالإمام أحمد بن حنبل، فاستدعى إسحاقُ بن إبراهيم الإمام أحمد، فأكرمه، وعظَّمه، وجهزه إلى الخليفة المتوكل بِسُرَّ من رأى، فأكرمه المتوكل غايةَ الإكرام، وأمر له بخلعة سنية، فاستحى منه، ولبسها إلى الموضع الذي كان نازلًا فيه، ثم نزعها نزعًا عنيفًا، وهو يبكي - رحمه الله -، ثم أرسل إليه المتوكل مالًا جزيلًا، فأبى أن يقبله، فقيل له: إن رددتَه، وَجَدَ عليك في نفسِه، ففرَّقَه على مستحقِّيه، ولم يأخذ منه شيئًا، وجعل كلَّ يوم يرسل إليه من طعامه الخاص، ويظن أنه يأكل منه، وكان - رضي الله عنه - لا يأكل منه لقمة.
وارتفعت السنَّة في أيام المتوكل جدًا، وكان لا يولِّي أحدًا إَلا بمشورة الإمام أحمد بن حنبل، وكان مسيرُ أحمدَ إليه في سنة سبع وثلاثين