للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أن أمسى المساء، ودخل السلطان القلعة، وبقي بعض الأمراء والعساكر مكانهم، فلما كان ثلث الليل الأخير، خرج السلطان، ومن عَلم به من الأمراء والمماليك، ومن التجار والعوام، واختلفوا في الدروب، وأحس بهم العدو المخذول، فتخطفوهم، وذهب السلطان على قبة سيار، وأحاطت التمريَّة بالبلد، وهم كالجراد المنتشر، فخرج من كان بدمشق من المماليك؛ ظنًا منهم أن العساكر خرجت تدور من خلفه، وخرجت العوام، وقاتلوهم، وقتلوا منهم جماعة، وقاتل أهل البلدين على الأسوار، ثم اجتمع رأي الناس على أن يخرج إليه الشيخ تقي الدين ابن مفلح، والشيخ أبو يزيد البسطامي المجاور بالزاوية بالغزالية، فخرجا إليه، ومعهما المصاحف، وجماعة من الناس خرجوا من سور باب الصغير، فتلقوهم بالقبول والوجه الطلق، وفرح ولد تمرلنك الكبير فرحة عظيمة، وقال: الحمد لله الذي حقنتم دم أهل دمشق، وقال لهم: غدًا اطلعوا إليه بضيافة.

فأصبحوا [ ... ] عملوا ضيافة: شواء، وحلوى، وبقج قماش، وبقج فرو، من كل صنف تسعة، وقالوا: عادة الملوك أن يقدم لهم من كل شيء تسعة تسعة، فلما طلعوا بالتقدمة، أعجبته، وكتب أمانًا لأهل دمشق، قرؤوه على السدة، وفيه: أنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وحريمهم، ونحو ذلك، وكان ممن خرج إليه ذلك اليوم: القاضي شمس الدين النابلسي الحنبلي، والقاضي محيي الدين بن العِزّ الحنفي، والقاضي تقي الدين بن مفلح، ورجعوا وعليهم الخِلَع.