للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ودخل المأمون على بوران في الليلة الثالثة من وصوله إلى فم الصِّلْح، فلما جلس معها، نثرت عليه جدتها ألفَ دُرَّة كانت في صينية ذهب، فأمر المأمون أن تُجمع، وسألها عن عدد الدر كم هو؟ فقالت: ألف حبة، فوضعها في حِجْرها، وقال: هذا تحليتك (١)، وسلي حوائجك، فقالت لها جدتها: كلِّمي سيدك؛ فقد أمرك، فسألته الرضا عن إبراهيم ابن المهدي - وقد تقدم ذكره في حرف الهمزة -، فقال: قد فعلت.

ولما طلب المأمون الدخول على بوران، دافعوه لعذر بها، فلم يندفع، فلما زُفت إليه، وجدها حائضًا، فتركها، فلما قعد الناس من الغد، دخل عليه أحمد بن يوسف الكاتب، وقال: يا أمير المؤمنين! هنأك الله بما أخذت من الأمر، باليُمن والبركة وشدة الحركة والظفر بالمعركة، فأنشده المأمون:

فَارِسٌ مَاضٍ بِحَرْبَتِهِ ... صَادِقٌ بِالطَّعْنِ فِي الظُّلَمِ

رَامَ أَنْ يُدْمِي فَرِيسَتَهُ ... فَاسْتَجَارَتْ مِنْ دَمٍ بِدَمِ

فعرّض بحيضها، وهو من أحسن الكنايات، وكان ذلك في شهر رمضان، سنة عشر ومئتين، وعقد عليها في سنة اثنتين ومئتين، وتوفي المأمون وهي في صحبته، وكانت وفاته يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومئتين وبقيت بعده إلى أن توفيت يوم الثلاثاء، لثلاثٍ بقين من شهر ربيع الآخر، سنة إحدى وسبعين ومئتين،


(١) في "وفيات الأعيان" (١/ ٢٨٩) وغيره: "نِحلتك".