للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحَدَّثتها بالذي لقيتُ، فلم يَرُعْها ذلك، وقالت: إني رأيتُ حينَ خرجَ مني نورًا أضاءتْ منه قصورُ الشام" (١).

ثم رجعت به حليمة - أيضًا -، فكان عندها سنة أو نحوَها، لا تَدَعُه يذهب مكانا بعيدًا، ثم رأت غمامة تُظِلُّه، إذا وقف، وقفت، وإذا سار، سارت، فأفزعها ذلك من أمره، فذهبت به إلى أمه لتردَّه وهو ابن خمس سنين، قالت: فبينما أنا ذاهبة به، وهو معي بمكة، إذ سمعت هَدَّة عظيمة، فالتفتُّ فلم أجد محمدًا، فصرت كالوالهة، وأنا أنادي في الناس: من رأى لي ولدًا كالبدر في تمامه، والغصن في قَوامه؛ فلقيني عبد المطلب جدُّه، فقال: مالك يا حليمة؟ فقلت: يا عبد المطلب! إن محمدًا قد ذهب مني، فصعد على الصفا، ونادى: يا صباحاه! فاجتمعَتْ إليه رؤساء قريش، ففرقهم في أركان مكة وما حولها يطلبون محمدًا، فلم يجدوه، فرجع عبد المطلب إلى بيته، فلبس أثوابه، وأتى إلى الكعبة، فطاف وهو يقول:

رُدَّ إِلَيَّ وَلَدِي مُحَمَّدَا ... ارْدُدْهُ رَبِّي وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا

فلم يلبث أن جاء محمد، فلما رآه عبد المطلب، ضمه إلى صدره، وقال: يا بني! حزنت عليك حزنا لا يفارقني أبدًا (٢).

ثم قدمت حليمةُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تزوج خديجةَ بنتَ خويلد،


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٨٤).
(٢) انظر: "السيرة الحلبية" (١/ ١٥٤).