للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعتهم يقولون: هذا لا شيء، فاعلم أنه حديث صحيح» (١).

ومراده أن اهتمام طلبة الحديث والرواية في وقته انصب على تتبع ما فيه غرابة، والبحث عنه، لعدم شهرته، فالمحدث إذا سمعه طلب منه فيما بعد، حين يتصدى للرواية، لقلة من يرويه، أما المشهور فهو عند كل أحد، فلا يأبهون به، وهذا معنى قوله: «فإذا سمعتهم يقولون: هذا لا شيء، فاعلم أنه صحيح».

وقال أبو داود في وصف أحاديث كتابه «السنن»: «والأحاديث التي وضعتها في كتاب «السنن» أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك، ويحيى بن سعيد، والثقات من أهل العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبا شاذا، فأما الحديث المشهور المتصل فليس يقدر أن يرده عليك أحد» (٢).

وقال الخطيب البغدادي شارحا حال بعض طلبة الحديث في زمانه أيضا: «أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا،


(١) «الكفاية» ص ١٤٢.
(٢) «رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه» ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>