وربما كان غرض المؤلف من كتابه -أو أحد أغراضه- جمع هذه الأفراد والغرائب، وإن كان يستنكرها، كما يفعل البزار في «مسنده».
ومن أمثلة ذلك عنده قوله في زائدة بن أبي الرقاد:«منكر الحديث»، وضعفه مرة، وقال مرة:«ليس به بأس، حدث عنه جماعة من أهل البصرة، وإنما كتبنا من حديثه ما لم نجده عند غيره»، وقال أيضا:«لا نكتب من حديثه إلا ما ليس عند غيره»، وقال أيضا:«إنما ينكر من حديثه ما يتفرد به»(١).
والخلاصة أن الناقد بعد أن يبلغه حديث تفرد به راو ثقة يحكم عليه بما يؤدي إليه اجتهاده، فقد يراه صحيحا غريبا، وقد يراه منكرا، ولا علاقة بين كتابة الأفراد والغرائب، وروايتها، وبين الحكم عليها.
والحكم في التفرد كغيره من مسائل هذا الفن، يخضع لنظر الناقد وما لديه من قرائن وأدلة، وربما وصل فيه إلى ما وصل إليه غيره، لاجتماع قرائن وتعاضدها، وقد يخالف غيره، وسيأتي معنا أمثلة لهذا في الفصل الرابع.
ومن هذا الباب قول يعقوب بن شيبة في قيس بن أبي حازم: « ... ، وهو متقن الرواية، وقد تكلم أصحابنا فيه، فمنهم من رفع قدره وعظمه، وجعل الحديث عنه من أصح الإسناد، ومنهم من حمل عليه، وقال: له أحاديث مناكير، والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث على أنها عندهم غير مناكير، وقالوا:
(١) «مسند البزار» حديث (٩٢)، و «كشف الأستار» حديث (٣٤٧)، (٦١٦)، (١٨٩٥)، (٣٠٦٣). ومراد البزار بالكتابة هنا في «المسند».