قال:«وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيرا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل «مسند البزار»، و «معاجم الطبراني»، و «أفراد الدارقطني»، وهي مجمع الغرائب والمناكير» (١).
وسيأتي في الباب الثالث، في المبحث الثالث من الفصل الثاني منه، التأكيد على قانون عظيم من قوانين الرواة، يتم تسخيره للنقد، وهو أن الرواة في عصر الرواية يبحثون عن الأتم صورة ومعنى، فيستفاد من هذا أنه إذا اشتهر عندهم حديث بإسناد، ثم ظهر بعدهم بإسناد أتم منه، فلا يصح قبول ما ظهر متأخرا، فهو خطأ ولا بد.
ثم إن ما ذكره مسلم، وما حرره الذهبي من عمل الأئمة, هي ضوابط عامة، تزداد قوة بأشياء أخرى غير حال الراوي، مثل طول الحديث وغرابة لفظه، أو كونه أصلا في بابه، أو أحد رواته من أهل بلد يرويه عن راو آخر من
(١) «شرح علل الترمذي» ٢: ٦٢٤. وانظر في الكلام على الكتب المتأخرة، وكثرة الغريب والمنكر فيها: «الموضوعات» ١: ٩٩، و «مجموع فتاوى ابن تيمية» ١٧: ١٢٦، و «الحطة في ذكر الصحاح الستة» ص ١٢٠ - ١٢٣، ومقدمة التحقيق لـ «نسخة ابن معين» لعصام السناني، ص ١٩٤ - ٢١٢، وشرحي لكتاب ابن حجر «نزهة النظر» في موضوع (الغريب)، وانظر مثالا على حديث تفرد به أحد أصحاب هذه الكتب، وأمكن نقده من وجوه، منها أنه لا يوجد في دواوين السنة الأولى: «سنن الدارقطني» ١: ١٨٢، و «تهذيب سنن أبي داود» لابن القيم ٣: ٢٥١، و «تنقيح التحقيق» لابن عبدالهادي ٢: ٣٢٦ - ٣٢٧.